بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٤٢): تحريف رواية تبيّن كتمان بعض الصحابة حديث الغدير وما جرى عليهم بعد ذلك
قال ابن الأثير الجزري في كتابه (أسد الغابة في معرفة الصحابة)[1]: (عبد الرحمن بن مدلج أورده ابن عقدة.
وروى بإسناده، عن أبي غيلان سعد بن طالب، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر، ويزيد بن يثيع وسعيد بن وهب، وهانئ بن هانئ، قال أبو إسحاق: وحدثني من لا أحصي أن علياً نشد الناس في الرحبة من سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»، فقام نفر شهدوا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتم قوم، فما خرجوا من الدنيا حتى عموا، وأصابتهم آفة، منهم: يزيد بن وديعة، وعبد الرحمن بن مدلج. أخرجه أبو موسى).
وهذا الخبر نقله ابنُ الأثير عن شيخه الحافظ أبي موسى المديني الأصفهاني الذي نقل الخبر عن ابن عقدة الكوفيّ، وفيه أنّ بعض الصحابة قد كتموا شهادة الحقّ بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، ..إلخ»، فأصابهم ما أصابهم من العمى والآفة جزاءً بما فعلوا.
وقد نقل الحافظُ الذهبي هذا الخبر عن ابن عقدة في كتابه (طرق حديث «من كنت مولاه»)، فقال[2]: (ابن عقدة، ثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن الأسود الكندي، ثنا جعفر بن محمد بن يحيى، حدثني موسى بن النضر الجعفي الحمصيّ، حدثني أبو غيلان سعد بن طالب، ثنا أبو إسحاق، عن عمرو ذي مر وزيد بن يثيع، وسعيد بن وهب وهانئ بن هانئ ومن لا أحصي أن علياً نشد الناس عند الرحبة من سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعادِ من عاداه؟» فقام نفر - فقال بعضهم: ستة وقال بعضهم: ثلاثة - فشهدوا بذلك، وكتم قوم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا أو أصابتهم آفة، منهم يزيد بن وديعة وعبد الرحمن بن مدلج).
يُلاحظ هنا: إنّ ابن الأثير والذهبي قد ذكرا أنّ الخبر قد رواه ابن عقدة، وقد ذكر ابن الأثير أنّ الخبر أخرجه أبو موسى المدينيّ، وفيه أنّ عبد الرحمن بن مدلج ويزيد بن وديعة كانا ممن كتما الشهادة وأصابتهما الآفة والعمى، ولكنّ الحافظ ابن حجر العسقلاني نقل هذا الخبر مصاباً بتغييراتٍ عجيبةٍ غيَّرت معالمه، وهذا نصُّ نقله، قال [3]: (عبد الرحمن بن مدلج:ذكره أبو العباس بن عقدة في كتاب «الموالاة» ، وأخرج من طريق موسى بن النضر بن الربيع الحمصي، حدثني سعد بن طالب أبو غيلان، حدثني أبو إسحاق، حدثني من لا أحصي أنّ عليّا نشد الناس في الرحبة: من سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فقام نفر منهم عبد الرحمن بن مدلج، فشهدوا أنهم سمعوا إذ ذاك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن شاهين، عن ابن عقدة، واستدركه أبو موسى).
ويُلاحظ هنا أكثر من تصرُّفٍ بالرواية:
1. تمّ حذف اسم (يزيد بن وديعة) من الرواية، وهو من الكاتمين للشهادة.
2. جعل (عبد الرحمن بن مدلج) من الشاهدين، في حين أنه ممن كتم الشهادة.
3. حذف المقطع الأخير من الرواية: (اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه).
ويُلاحظ أنّ ابن الأثير المتوفى سنة (630 هـ) والحافظ الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) نقلا الخبر كما هو، وفيه ذِكْر كتمان عبد الرحمن بن مدلج ويزيد بن وديعة للحديث، إلّا أن الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) قد تصرّف بلفظ الرواية رغم أنّها عند الثلاثةِ من كتابٍ واحدٍ، لمؤلِّفٍ واحدٍ، بإسنادٍ واحدٍ[4]!
ـــــــــــــــــــــــ
[1] أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص487، رقم الترجمة 3388.
[2] رسالة من كنت مولاه، ص30-32، رقم الحديث 24، وسيأتي توثيقه من المخطوط المحفوظ في المكتبة المركزية لجامعة طهران، وهي النسخة الوحيدة على ما يبدو، قال السيد المحقق عبد العزيز الطباطبائي في مقدمة تحقيقه للكتاب: (وأما رسالته هذه «طرق حديث من كنت مولاه» فقد عثرنا على مخطوطة له في المكتبة المركزية لجامعة طهران، كُتبت في القرن الثاني عشر، ضمن المجموعة رقم 1080، من الورقة 211-223 ب، ذُكرت في فهرسها 3/523، وقد حققته وأعددته للنشر).
أقول: قد أخذتُ مصوَّرةً عن النسخة الخطية من (مكتبة المحقق الطباطبائي)، وسيأتي عرض المخطوط والمطبوع فيما يأتي.
[3] الإصابة في تمييز الصحابة، ج6، ص564، رقم الترجمة 5220.
[4] أفادنا بهذا المطلب الأخ العزيز، الأستاذ الباحث: إبراهيم النّاظري رحمه الله.