الجمعة، 7 مارس 2025

معنى البغي في حديث: "تقتله الفئة الباغية".

بسم الله الرحمن الرحيم
معنى البغي في حديث: "تقتله الفئة الباغية".

قال تعالى: (قل إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ والإثم والبغيَ بغير الحقِّ وأن تُشركوا بالله ما لم يُنَزِّل به وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: ٣٣].
وقال تعالى: (إنَّ الله يأمُرُ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُم لعلَّكم تَذَكَّرون) [النحل: ٩٠].
وقال تعالى : (إنَّما السَّبيلُ على الذين يظلمون النَّاسَ ويبغون في الأرضِ بغير الحَقِّ أولئك لهم عذابٌ أليمٌ) [الشورى: ٤٢].
وقد وردت مفردة البغي في وصف فئة معاوية بن أبي سفيان الدّاعية إلى النّار، حيث جاء في الحديث المتواتر: "تقتله الفئة الباغية"، وقد تعرّض علماء أهل السنّة لشرح معنى البغي الوارد في بعض الآيات القرآنيّة، وهو ما يمكن أن يُستفاد منه في فهم الحديث الشّريف الذي يصفُ فئة معاوية وأصحابه، ويبيّن ما هم عليه من الظلّم والعدوان

أوّلاً: كلمات المفسّرين في معنى البغي.

١- قال الطبري في تفسيره (ج١٤، ص٣٣٦): (وقولُه: (والبغي) قيل: عُنِي بالبَغْيِ في هذا الموضعِ الكِبْرُ والظلمُ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المثنى وعليُّ بنُ داودَ، قالا : ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال : ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ: (والبغي). يقولُ: الكِبْرِ والظلمِ.
وأصلُ البغيِ التَّعَدِّي، ومجاوزةُ القَدْرِ والحدِّ مِن كلِّ شيءٍ. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى).
وقال في موضعٍ آخر (ج٢٠، ص٥٢٩): (وقولُه: (ويبغون في الأرض بغير الحَقِّ)، يقولُ: ويتَجاوَزون في أرضِ اللهِ الحدَّ الذي أباح لهم ربُّهم إلى ما لم يَأْذَنْ لهم فيه، فيُفْسِدون فيها بغيرِ الحقِّ ، (أولئك لهم عذابٌ أليمٌ). يقولُ : فهؤلاء الذين يَظْلِمون الناسَ ويَبْغُون في الأرضِ بغيرِ الحقِّ، لهم عذابٌ مِن اللهِ يومَ القيامةِ في جهنمَ مُؤْلِمٌ مُوجعٌ).

٢- قال مكي بن أبي طالب في تفسيره (الهداية إلى بلوغ النهاية، ج٤، ص٢٣٤٧):
(وَالبَغْيَ: الاستطالة على الناس. قال السّديّ: (البَغْيَ) أن يبغي على النّاس بغير الحقّ.
وأصلُ البغي: التّجاوز في الظلم).
وقال في موضعٍ آخر (ج١٠، ص٦٦٠٨): (ثمّ قال تعالى: (إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، أي: إنما سبيل العقوبة على الذين يظلمون الناس ويتجاوزون في أرض الله عز وجل الحد الذي أباح لهم ربهم فيفسدون فيها بغير الحق، (أولئكَ لَهُمْ عَذَابٌ أليمٌ)، أي: مؤلم، يعني: في الآخرة بعد عقوبة الدنيا).

٣- قال القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن، ج٩، ص٢١١): (والبغيَ: الظُّلم وتَجاوزُ الحدِّ فيه، وقد تقدَّم. وقال ثعلبٌ: البغيُ أنْ يَقَع الرجلُ في الرجل فيتكلَّمَ فيه، ويبغيَ عليه بغيرِ الحقِّ، إلَّا أنْ ينتصِرَ منه بحقٍّ. وأخرجَ الإثمَ والبغيَ مِن الفواحش، وهما منه، لِعظمِهِما وفُحشهما، فنصَّ على ذِكرِهما تأكيداً لأمرِهما وقَصْداً للزَّجْرِ عنهما. وكذا: (وأن تُشركوا)، (وأن تقولوا)، وهما في موضع نَصْب عطفاً على ما قَبْلُ).
وقال في موضعٍ آخر (ج١٢، ص٤١٤-٤١٥): (والبَغْيُ: هو الكِبْر والظُّلْم والحِقْد والتَّعدِّي؛ وحقيقتُه: تجاوز الحدِّ، وهو داخلٌ تحت المنكَر، لكنه تعالى خصَّه بالذِّكْر؛ اهتماماً به؛ لشدَّة ضَرَره. وفي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا ذَنْبَ أسرعُ عقوبةً مِن بَغْيٍ". وقال عليه الصلاة والسلام: "الباغي مصروعٌ". وقد وَعد اللهُ مَن بُغِيَ عليه بالنَّصْر. وفي بعضِ الكتب المنزَّلة: لو بَغَى جبلٌ على جبلٍ، لجُعل الباغي منهما دَكًّا).

٤- قال ابن كثير في تفسيره (ج٤، ص٧٠٥): (وأما البغي فهو العدوان على النّاس، وقد جاء في الحديث : "ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم).
وقال في موضعٍ آخر (ج٦، ص٥٩٩): (وقوله: (إنّما السبيل) أي إنّما الحرج والعنت (على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) أي: يبدؤون النّاس بالظلم. كما جاء في الحديث الصحيح : "المُسْتَبَّان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتدِ المظلوم".
(أولئك لهم عذاب أليم) أي: شديد موجع).

٥- قال الآلوسي في (روح المعاني، ج٢٤، ص٣٠٨، ط. مؤسسة الرسالة): (وقوله تعالى: (إنَّما السَّبيلُ على الذين يظلمون النَّاسَ) تعيينٌ لمن عليه السبيل بعد نفي ذلك عن المنتصرين، والمرادُ بالذين يظلمون من يبتدؤونهم بالظُّلم، أو يزيدون في الانتقام ويتجاوزون ما حدَّ لهم. وفَسَّر ذلك بعضهم بالذين يفعلون بهم ما لا يستحقُّونه، وهو أعمّ.
(ويبغون في الأرضِ بغير الحَقِّ) أي: يتكبَّرون فيها تجبُّراً وفساداً.
(أولئكَ) الموصوفون بالظُّلم والبغي بغير الحق (لهم عذابٌ أليمٌ) بسبب ظُلمهم وبَغْيهم، والمرادُ بهؤلاء الظالمين الباغين الكَفَرة. وقيل: من يَعُمُّهم وغيرهم.
وقوله تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذلكَ لَمِن عَزم الأُمُورِ) تحذير عن الظلم والبغي وما يؤدِّي إلى العذاب الأليم بوجه..).

ثانياً: كلمات بعض أعلام السلفية في البغي.

١- قال ابن تيمية في (الجواب الصحيح لمَنْ بَدَّلَ دين المسيح، ج٤، ص٢٤٨، ط. مركز تأصيل للدراسات والبحوث): (والمتفلسفة لم يَحُدّوا ما يحتاج إليه بحدٍّ يبين مقدار ما تحصل به النجاة والسعادة. ولكن الأنبياء بينوا ذلك، وقد قال - سبحانه -: (قل إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحِشَ مَا ظَهَرَ منها وما بَطَنَ والإثمَ والبغيَ بغيرِ الحَقِّ وأن تُشركوا بالله ما لم يُنَزِّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
فهذه الأنواع الأربعة هي التي حرمها تحريماً مطلقاً، لم يُبح منها شيئاً لأحد من الخلق، ولا في حال من الأحوال. بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير، وغير ذلك، فإنه يحرم في حال، ويباح في حال. وأما الأربعة فهي محرمة مطلقاً. فالفواحش متعلقة بالشهوة. والبغي بغير الحق يتعلق بالغضب، والشرك بالله فساد أصل العدل، فإن الشرك ظلم عظيم، والقول على الله بلا علم فساد في العلم، فقد حرم - سبحانه - هذه الأربعة، وهي فساد الشهوة، والغضب، وفساد العدل والعلم).

٢- قال ابن قيِّم الجوزية في (مفتاح دار السعادة، ج١، ص٤٤٣، ط. دار عالم الفوائد): (النوعُ الثالث: علمُ المحرَّمات الخمس؛ التي اتفقت عليها الرسلُ والشرائعُ والكتبُ الإلهيَّة؛ وهي المذكورةُ في قوله تعالى: (قل إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحِشَ مَا ظَهَرَ منها وما بَطَنَ والإثمَ والبغيَ بغيرِ الحَقِّ وأن تُشركوا بالله ما لم يُنَزِّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: ٣٣]، فهذه محرَّماتٌ على كلِّ أحد، في كلِّ حال، على لسان كلِّ رسول، لا تُباح قطُّ؛ ولهذا أتى فيها بـ (إِنَّمَا) المفيدة للحصر مطلقاً، وغيرُها محرَّمٌ في وقتٍ مباحٌ في غيره، كالميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه، فهذه ليست محرَّمةً على الإطلاق والدوام، فلم تدخل تحت التحريم المحصور المطلق).
وقال في (ج٢، ص١١٦٣، طبعة دار عالم الفوائد): (وأمَّا الرُّسلُ - صلواتُ الله وسلامه عليهم - فبيَّنوا ذلك غاية البيان، وفصَّلوه أحسنَ تفصيل، وقد جمع الله ذلك في كتابه في آية واحدة، فقال: (قل إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحِشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ والإثمَ والبغيَ بغيرِ الحَقِّ وأن تُشركوا بالله ما لم يُنَزِّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: ٣٣].
فهذه الأنواعُ الأربعةُ التي حرَّمها تحريماً مطلقاً لم يُبِح منها شيئاً لأحدٍ من الخلق، ولا في حالٍ من الأحوال، بخلاف الميتة والدَّم ولحم الخنزير فإنها تحرُم في حالٍ وتباحُ في حال، وأمَّا هذه الأربعةُ فهي محرَّمةٌ مطلقاً.
فالفواحشُ متعلِّقةٌ بالشَّهوة، وتعديلُ قوَّة الشَّهوة باجتنابها، والبغيُ بغير الحقِّ متعلِّقٌ بالغضب، وتعديلُ القوَّة الغضبيَّة باجتنابه، والشركُ بالله ظلمٌ عظيم، بل هو الظُّلمُ على الإطلاق، وهو منافٍ للعَدل والعلم).

٣- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (شرح رياض الصالحين، ج٣، ص٦٣١):([وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُم لعلَّكم تَذَكَّرون] ينهى عن الفحشاء: الفحشاء هي كل ما يُستفحش من الذنوب؛ كعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والزنا، ونكاح المحارم، وغير ذلك مما يُستفحش شرعاً وعرفاً، والمنكر: هو ما يُنكر، وهو دون الفحشاء كعامة المعاصي. والبغي: تجاوز الحد، وهو الاعتداء على الخلق بأخذ أموالهم، والاعتداء على دمائهم وأعراضهم، كل هذا يدخل في البغي. وبيَّن الله عزَّ وجلَّ أنه أمر ونهى ليعظنا ويصلح أحوالنا، ولهذا قال: [يَعِظُكُم لعلَّكم تَذَكَّرُونَ]).

معنى الدّعوة إلى النّار في حديث: "تقتله الفئة الباغية"

بسم الله الرحمن الرحيم معنى الدّعوة إلى النّار في حديث: "تقتله الفئة الباغية".