بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٦٢): تحريف حديث عزل النبيّ لأبي بكر عن تبليغ سورة التوبة في مكَّة
روى النسائي في (السنن الكبرى) بإسناده عن ابن عباس روايةً، وفيها قوله متحدثاً عن إرسال النبي الأكرم -صلّى الله عليه وآله- أبا بكر بسورة التوبة إلى مكَّة: (وبعث أبا بكر بسورة التوبة وبعث علياً خلفه، فأخذها منه فقال: «لا يذهب بها رجل إلا رجل هو مني، وأنا منه»).
ويظهر من هذه الرواية:
1- أنَّ أبا بكر ليس من رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا رسول الله منه، بينما أمير المؤمنين عليه السّلام من رسول الله ورسول الله منه، وهذا مقامٌ عظيم يظهر منه اختصاص الإمام عليه السّلام برسول الله صلّى الله عليه وآله.
2- أنّ أبا بكر لا يمتلكُ أهليّة تبليغ سورة التوبة، ولو كان كذلك لما عزله النبي صلّى الله عليه وآله، وفي المقابل يكشف هذا عن الأهليّة التامّة لأمير المؤمنين عليه السّلام.
3- أنّ أبا بكر إذا لم يكن من رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا يصح أن يقوم مقامه في مهمةٍ ذات طابع تبليغيّ وتنفيذيّ مثل تبليغ سورة التوبة بما تحمل من براءةٍ من المشركين، فكيف يجوز أن يقوم مقامه في الخلافة وأن يكون في مقام النيابة عنه في إقامة أمور الدين وأحكامه، فإذا لم يجُزْ ذلك في الأقلّ، فكيف فيما هو أعظم منها؟
إذا عرفتَ هذا، اتضح لك مدى ثقل هذه الرواية على المتعصبين لمذاهبهم دون الحقيقة، حيث حرَّفوا الرواية وأُبهم اسم أبي بكر بـ(فلان) لكي لا يضطروا للالتزام بمثل هذه اللوازم التي تُبطلُ مذهبهم في قضيَّتي التفضيل والإمامة، وإليك جملة من الروايات المحرَّفة:
روى أحمد بن حنبل في مسنده: (ثم بعث فلاناً بسورة التوبة، فبعث علياً خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلا رجل مني، وأنا منه).
ورواها أيضاً في (فضائل الصحابة): (بعث فلاناً بسورة التوبة، فبعث علياً خلفه فأخذها منه، وقال: «لا يذهب بها إلا رجل مني، وأنا منه»).
ورواها عنه الحاكم النيسابوريّ في مستدركه: (ثم بعث رسول الله ﷺ فلاناً بسورة التوبة، فبعث علياً خلفه فأخذها منه، وقال: «لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه»).
وسند الرواية عند النسائي وابن حنبل واحد، فابن حنبل يرويها عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عباس، والنسائي يرويها عن شيخه الثقة محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد بمثل إسناد ابن حنبل المتقدِّم، والعجيب أنَّ النسائي يروي الرواية عن يحيى بن حماد بواسطة واحدة، وقد نقل الرواية كما هي بلا تحريف، بينما ابن حنبل الذي رواها عن يحيى بن حمّاد مباشرةً جاءت روايته محرَّفة.