بسم الله الرحمن الرحيم
كلام ابن العماد الحنبليّ في وصف جرائم يزيد بن معاوية
قال ابن العماد الحنبلي في (شذرات
الذهب في أخبار مَنْ ذَهَبَ، ج١، ص٢٧٣-٢٧٥) في حوادث سنة٦١ هـ: «استُشهد فيها في يوم عاشوراء أبو
عَبْدِ الله الحُسَينُ بنُ عَليٍّ بنَ أَبي طالِبٍ، سِبْطُ رَسُولِ الله صلى الله
عليه وسلم وريحانته بكَرْبَلاء عن ست وخمسين سنة، ومن أسباب ذلك أنه كان قد أبى من
البيعة ليَزِيْد حين بايع له أبوه النَّاس، رابع أربعةٍ عَبْدُ الله بن عُمَر،
وعَبْدُ الله بنُ الزُّبَيْر، وعَبْدُ الرَّحمنِ بن أبي بَكرٍ، فلما مات
مُعَاوِيَةُ جاءت كتب أهل العِرَاق إلى الحُسَيْن يسألونه القدوم عليهم، فسار
بجميع أهله حتى بلغ كَرْبَلاء موضعاً بقرب الكُوفَة، فعرض له عُبَيْد الله بن
زِيَاد، فقتلوه وقتلوا معه ولديه عليَّاً الأكبر وعَبْدَ اللهِ، وإخوته
جَعْفراً، ومُحَمَّداً، وعَتِيْقاً، والعَبَّاس الأكبر، وابن أخيه قَاسِمَ بن
الحَسَن، وأولاد عمه مُحَمَّداً، وعَوْناً ابنا عَبْدَ الله بنَ جَعْفَر بن أَبي
طالب، ومُسْلمْ بن عَقِيْل بن أبي طالب، وابنيه عَبْدَ اللهِ، وعَبْدَ الرحمن.
ومختصر ذلك أن يَزِيْدَ لما بويع له بعد موت أبيه، وكان أبوه بايع له الناس، فأرسل
يَزِيْد إلى عامله بالمدينة الوَلِيدِ بن عُتْبَة يأخذ له البيعة، فأرسل إلى
الحُسَيْن، وعَبْدِ اللهِ بنَ الزُّبَيْر، فأتياه ليلاً وقالا له: مثلنا لا يبايع
سراً بل على رؤوس الأشهاد، ثم رجعا، وخرجا من ليلتهما في بقية من رجب، فقدم
الحُسَيْنُ مكَّةَ، وأقام بها، وخرج منها يوم التروية إلى الكُوفَةِ فبعث عُبَيْدُ
اللهِ بنُ زِيَاد لحربه عُمَرَ بنَ سَعْد بن أبي وَقَّاصٍ، وقيل: أرسل عَبْد الله
ابن الحَارِثْ التَمِيْميَّ، أن جَعْجِع بالحُسَيْنِ، أي احبسه.
والجَعْجَاعُ المكان الضيق.
ثم أمر مَعْمَرَ بنَ سَعِيْدٍ في أربعة
آلاف، ثم صار عُبَيْدُ اللهِ بنَ زِيَادٍ يَزِيدُ في العسكر إلى أن بلغوا اثنين
وعشرين ألفاً، وأميرهم عُمَرُ بن سَعْد ابن أبي وَقَّاص، واتفقوا على قتله يوم عاشوراء،
قيل: يوم الجمعة، وقيل: السبت، وقيل: الأحد، بموضع يقال له: الطَّفُّ، وقتل معه
اثنان وثمانون رجلاً فيهم الحَارِثْ بن يَزِيد التَّمِيْميُّ، لأنه تاب آخراً، حين
رأى منعهم له من الماء، وتضييقهم عليه، قيل: ووجد بالحسين رضي الله عنه ثلاث
وثلاثون طعنةً، وأربع وثلاثون ضربةً، وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلاً.
وقال الحَسَنُ البَصْريُّ: أصيب مع
الحُسَيْن ستة عشر رجلاً من أهل بيته، ما على وجه الأرض يومئذٍ لهم شبيه، وجاء بعض
الفجرة برأسه إلى ابن زيادٍ وهو يقول:
أَوقِـــرْ ركـــابي فِضَّـــةً
وذَهَبَــا *** إني قَتلتُ المَلِكَ المُحجَّبَا
فغضب لذلك، وقال: إذا علمتَ أنه كذلك
فلِمَ قتلتَه؟ والله لألحقنك به، وضرب عنقه، وقيل: إن يزيد هو الذي قتل القائل.
ولما تم قَتْلُه حُمِلَ رأسُه، وحَرَمُ
بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومن أمر
به أو رضيه».
وقال في (ص٢٧٧) في حوادث سنة ٦١هـ: «ومثلُ فعلِ يزيدَ فِعْلُ بسر بن أرطاة العامري
أمير معاوية في أهل البيت من القتل والتشريد، حتى خدّ لهم الأخاديد، وكانت له
أخبار شنيعة في عليّ وقتل ولدي عبيد الله بن عبّاس وهما صغيران على يدي أمّهما،
ففقدت عقلها، وهامت على وجهها، فدعا عليه عليّ أن يطيل الله عمره، ويذهب عقله،
فكان كذلك، خرف في آخر عمره».
وقال في (ص٢٨٣-٢٨٥) في حوادث سنة ٦٣هـ:
«كانت وقعة الحَرَّة، وذلك أن أهل
المدينة خرجوا على يَزِيْدَ لِقِلَّةِ دِينه، فجهَّز لهم مُسْلِم بن عُقْبَة،
فخرجوا له بظاهر المدينة بحرَّة واقِم فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار ثلثمائة
وستة أنفس. ومن الصحابة مَعْقُل بن سِنَانٍ الأشجعيُّ، وعَبْدُ اللهِ بن حَنْظَلَة
الغَسِيْل الأنصاري، وعَبْدُ اللهِ بن زَيْد بن عَاصم المازني الذي حكى وضوء
النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومحمَّد بن ثَابِت بن قَيْس بن شَمَّاس، ومحمَّد بن
عَمْرو بن حَزم، ومحمَّد بن أبي جَهْم بن حُذَيْفة، ومحمد بن أُبيّ بن كَعْب،
ومُعَاذ بن الحَارِث أبو حَلِيْمَةَ الأنصاري، الذي أقامه عُمَرُ يُصلي التراويح
بالنَّاس، ووَاسِع بن حَبَّان الأنصاري، وَيَعْقُوبُ ولد طَلْحَةَ بنَ عُبَيْدِ
الله التميمي، وكَثِيْرُ بنُ أفْلَحَ أَحَدُ كُتَّابِ المصَاحف التي أرسلها
عُثْمَان، وأبوه أَفْلَح [بن كَثِيْر] مَوْلى أَبي أَيُوب، وذلك لثلاث بقين من ذي
الحجة، وهُجر المسجد النبوي فلم يُصَلَّ فيه جماعةً أياماً، ولم تمتد حياة
يَزِيْدَ بعد ذلك، ولا أميره مُسْلِمْ بن عُقْبَة، وفي ذلك يقول شاعر الأنصار:
وَنَحْنُ تَرَكْنَـاكُمْ بِبَـدرٍ
أَذِلَّـةً *** وَأُبْنَا بِأَسْيَافٍ لَنَا مِنْكُـمُ نَفَـلْ».