بسم الله الرحمن الرحيم
جهود المحدّثين في إخفاء مثالب الصّحابة
لقد عمل المحدّثون والمؤرّخون على طمس فضائل أهل البيت (عليهم السّلام)، وإخفاء كثيرٍ من مثالب الصّحابة ومخالفاتهم للشّريعة الإسلاميّة، وقد بينّا شواهد كثيرة على هذا الأمر في كتاب (كشف التحريفات في كتب الحديث والتاريخ)، بالإضافة إلى ما ذكرناه في مواضيع أخرى. ومن العجيب - بعد اتّضاح ما جرى من التصرّف والتغيير في رواية الأحاديث وأخبار التاريخ - أن يأتي من يريد تصوير التّاريخ الإسلامي بصورة مثاليّة منفصلة عن الواقع، والحال أنّ الحقيقة أكبر من ذلك بكثير.
في هذا الموضوع، نعرض جملةً من النصوص المنتقاة من كتاب (السنّة) لأبي بكر الخلّال، وفيها بيان سياسة بعض أهل الحديث في طمس الحقائق التاريخيّة.
روى أبو بكر الخلّال في كتاب (السُّنَّة): (وكتب إليَّ أحمد بن الحسين قال: ثنا بكر بن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله وسأله عن الرجل يروي الحديث فيه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يقولُ أرويه كما سمعتُه؟ قال: ما يعجبني أن يروي الرجل حديثاً فيه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ، قال: وإني لَأَضْرِبُ على غير حديثٍ مما فيه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء).
قال المحقق عطية بن عتيق الزهراني: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٥٠١-٥٠٢، ح٨٠٠.
وروى أيضاً: (وأخبرني محمد بن علي، ثنا مهنى قال: سألتُ أحمد عن عبيد الله بن موسى العبسي؟ فقال: كوفي، فقلتُ: فكيف هو؟ قال: كما شاء الله، قلتُ: كيف هو يا أبا عبد الله؟ قال: لا يعجبني أن أُحَدِّثَ عنه. قلتُ: لِمَ؟ قال: يُحَدِّثُ بأحاديث فيها تَنَقُّصٌ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال المحقق عطية الزهراني: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٥٠٤، ح٨٠٧.
وروى أيضاً: (أخبرني حمزة بن القاسم قال: ثنا حنبل قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: أخرج إلينا غُندر محمد بن جعفر كُتُبَه عن شعبة فكتبنا منها: كنتُ أنا وخلف بن سالم، وكان فيها تلك الأحاديث، فأمّا أنا فلم أكتبها وأمّا خلف فكتبها على الوجه كلها، قال أبو عبد الله: كنتُ أكتب الأسانيد وأدع الكلام، قلتُ لأبي عبد الله: لِمَ؟ قال: لأعرف ما روى شعبة، قال أبو عبد الله: لا أحبُّ لأحدٍ أن يكتب هذه الأحاديث التي فيها ذِكْر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا حلال ولا حرام ولا سنن، قلتُ: أكتبها؟ قال: لا تنظر فيها، وأيُّ شيءٍ في تلك من العلم، عليكم بالسنن والفقه وما ينفعكم).
قال المحقق عطية الزهراني: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٥٠٦، ح٨١١.
وروى أيضاً: (أخبرني موسى بن حمدون قال: ثنا حنبل قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: كان سلام بن أبي مطيع أخذ كتاب أبي عوانة الذي فيه ذِكْر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأحرَقَ أحاديث الأعمش تلك.
وأخبرني محمد بن علي قال: ثنا مهنى قال: سألتُ أحمد قلت: حدثني خالد بن خداش قال: قال سلام؛ وأخبرني محمد بن علي قال: ثنا يحيى قال: سمعتُ خالد بن خداش قال: جاء سلام بن أبي مطيع إلى أبي عوانة فقال: هاتِ هذه البدع التي قد جئتنا بها من الكوفة، قال: فأخرج إليه أبو عوانة كُتُبَه فألقاها في التَّنُّور، فسألتُ خالداً ما كان فيها؟ قال: حديث الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استقيموا لقريش"، وأشباهه، قلتُ لخالد: وأيش؟ قال: حديث علي: "أنا قسيم النار"، قلتُ لخالد: حَدَّثَكُم به أبو عوانة عن الأعمش؟ قال: نعم.
وأخبرنا عبد الله بن أحمد قال: سمعتُ أبي يقول: سلام بن أبي مطيع من الثقات من أصحاب أيوب، وكان رجلاً صالحاً حدَّثنا عنه عبد الرحمن بن مهدي، ثم قال أبي: كان أبو عوانة وَضَعَ كتاباً فيه معايب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بلايا، فجاء إليه سلام بن أبي مطيع فقال: يا أبا عوانة أعطني ذلك الكتاب، فأعطاه فأخذه سلامٌ فأحرقه.
أخبرنا أبو بكر المروذي قال: قلتُ لأبي عبد الله: استعرتُ من صاحب حديثٍ كتاباً يعني فيه الأحاديث الرديئة ترى أن أحرقه أو أخرقه؟ قال: نعم، لقد استعار سلام بن أبي مطيع من أبي عوانة كتاباً فيه هذه الأحاديث فأحرق سلامٌ الكتاب، قلتُ فأحرقه؟ قال: نعم.
أخبرنا الحسن بن عبد الوهاب قال: ثنا الفضل بن زياد قال: سمعتُ أبا عبد الله ودَفَعَ إليه رجلٌ كتاباً فيه أحاديث مجتمعة ما يُنكر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه، فنظر فيه ثم قال: ما يجمع هذه إلا رجل سوء، وسمعتُ أبا عبد الله يقول: بلغني عن سلام بن أبي مطيع أنه جاء إلى أبي عوانة فاستعارَ منه كتاباً كان عنده فيه بلايا مما رواه الأعمش فَدَفَعَهُ إلى أبي عوانة، فذهب سلامٌ به فأحرقه، فقال رجلٌ لأبي عبد الله: أرجو أن لا يَضُرَّه ذاك شيئاً إن شاء الله؟ فقال أبو عبد الله: يَضُرُّه؟ بل يُؤْجَر عليه إن شاء الله).
قال المحقق عطية الزهراني معلِّقاً على جميع هذه الروايات: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٥٠٩-٥١١، ح٨١٨-٨٢٢.
وروى أيضاً: (وأخبرني محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي هارون أن أبا الحارث قال: جاءنا عدد ومعهم ذكروا أنهم من الرقة فوَجَّهنا بها إلى أبي عبد الله ما تقول فيمن زعم أنه مُباحٌ له أن يتكلَّم في مساوئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبد الله: هذا كلام سوء رديء، يُجانبونَ هؤلاء القوم ولا يُجالَسون ويُبَيَّنُ أمْرُهُم للناس).
قال المحقق عطية الزهراني: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٥١١-٥١٢، ح٨٢٥.
وروى أيضاً: (أخبرنا أبو بكر المروذي قال: سمعتُ هارون بن عبد الله يقول لأبي عبد الله: جاءني كتابٌ من الرقة أنَّ قوماً قالوا: لا نقول معاوية خال المؤمنين، فغضب، وقال: ما اعتراضهم في هذا الموضع، يُجْفَوْنَ حتى يتوبوا.
أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حَدَّثهم قال: وَجَّهْنا رقعةً إلى أبي عبد الله ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ولا أقول أنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصباً؟ قال أبو عبد الله: هذا قول سؤء رديء، يُجانبون هؤلاء القوم ولا يُجالَسون ونُبَيِّنُ أمْرَهُم للناس)
قال المحقق عطية الزهراني معلِّقاً على هاتين الروايتين: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٤٣٤، ح٦٥٨-٦٥٩.
وروى أيضاً: (أخبرني عصمة بن عصام قال: قال حنبل: أردتُ أن أكتب كتاب صفِّين والجمل عن خلف بن سالم فأتيتُ أبا عبد الله أكلمه في ذاك وأسألُه؟ فقال: وما تصنع بذاك وليس فيه حلال ولا حرام؟ وقد كتبتُ مع خلف حيث كتَبَه فكتَبْتُ الأسانيد وتركتُ الكلام، وكتَبَها خلف، وحضرتُ عند غُندر واجتمعنا عنده فكتبتُ أسانيد حديث شعبة وكتَبَها خلف على وجهها، قلتُ له: ولِمَ كتبتَ الأسانيد وتركتَ الكلام؟ قال: أردتُ أن أعرف ما روى شعبة منها، قال حنبل: فأتيتُ خلف فكتَبْتُها، فبَلَغَ أبا عبد الله فقال لأبي: خُذ الكتابَ فاحبسه عنه ولا تدعه ينظر فيه).
قال المحقق عطية الزهراني: إسناده صحيح.
المصدر: السنة للخلّال، ج١، ص٤٦٤، ح٧٢٣.