بسم الله الرحمن الرحيم
كلام الباحث سعد الغامدي حول فرية إعانة الشيعة للمغول في غزو بغداد
قال الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي في كتابه (سقوط الدولة العباسية) تحت عنوان (طائفة أتباع المذهب الشيعي المتهمين بالخيانة):
(وردت مسألة اتهام المسلمين من الشيعة في المصادر السنية بصورة أساسية. حيث اتهم المؤرخون السنيون طائفة الشيعة، بهذه الخيانة، وشجبوهم شجباً قبيحاً، في صورة مريرة، على أنهم خونة؛ وأنهم قدموا كل عون لمساعدة المغول، لغزو بغداد وأخذها؛ ثم للقضاء على البيت العباسي الحاكم. وتذكر تلك المصادر أن الشيعة كانوا يرجون من وراء عملهم ذلك أن يضعوا نهاية لحكم السنة، وخلافتهم القائمة، وأن يقيموا دولة شيعية لهم).
وقال: (بناءً على ذلك، فقد أقرت المصادر السنية، بشكل عام، وذهب العديد من المؤرخين الحديثين إلى ما ذهبت إليه تلك المصادر، من أن المسلمين الشيعة كانوا أحد العوامل التي قوضت الدفاع عن بغداد، وأدت إلى إسقاطها في أيدي المغول، وسيرد معنا بعد قليل ذكر تلك المصادر.
ومع هذا فإن سؤالاً يتبادر إلى الذهن، وهذا السؤال هو: هل كان هولاكو محتاجاً إلى مساعدة المسلمين الشيعة ضد المسلمين السنة، حتى نقبل أنهم كانوا أحد العوامل التي أدت إلى سقوط بغداد؟ وفي حقيقة الأمر، فإن القوات المغولية كانت على الدوام، وخلال السنوات الثمان والثلاثين الماضية، تهاجم أراضي الدولة العباسية، وحتى حدودها القصوى منها. كما أنها في مرات كثيرة تعمقت داخل أراضيها، حتى وصلت "باعقوبا، وخانقين، وسامراء"، كما مر معنا في فصل سابق من هذا البحث. وقد اكتشف المغول، وعرفوا عن كثب - من خلال غاراتهم السالبة، المدمرة تلك، مدى ما وصلت إليه الدولة العباسية من ضعف وخور، وانهيار، فإذا كان سكان حي الحلة، شيعة كانوا أو سنة، فعلاً ذهبوا إلى المغول - كما تقول عنهم الروايات السنية - وأنهم استرضوا قائد المغول، فإنه على ما يظهر لنا، لم يكن أمامهم أي اختيار آخر، غير أن يذهبوا ويعلنوا استسلامهم للعدو، وإلا فإن مصيرهم كان معروفاً جيداً؛ وهو أنهم سيقدمون إلى مقصلة المغول ويدمروا، كما دمر وقتل الآلاف من سكان العراق. ثم أنه بالإضافة إلى ذلك، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا أن هولاكو قد صدرت إليه الأوامر من أخيه الأكبر، "منگر قاآن"، بأن يدخل بغداد ويفتحها ففي الحقيقة لم يكن هولاكو محتاجاً إلى مساعدة من أي فرد، شيعياً كان أم سنياً. كما لم يكن لينتظر إغراء أو تشجيع، أو نبوأة المسلمين الشيعة، للقيام بهجومه ذلك على خلافة بغداد العباسية السنية. إذ أن هولاكو لو آمن بتلك النبوأة المزعومة، لآمن بمعتقد من قال له ذلك؛ فهولاكو يعتقد اعتقاداً راسخاً أن الله قد اختار جنكيز خان وأسرته لحكم العالم، ولذلك فأرض الخلافة، والخليفة والمسلمون جميعاً ليسوا إلا جزءً من ذلك العالم الذي "كانت السماء الزرقاء تنگرى" قد اختارت خان المغول ليكون الحاكم الأوحد على الأرض؛كما كان "تنگرى" الرب الأوحد في السماء.
لذلك، فإننا نجد - كما يظهر لنا - أنه من غير المحتمل، إن لم يكن من المستحيل، أن يكون لهذه الطائفة من المسلمين أي دور فعال، سواء من داخل أو من خارج بغداد، في هجوم المغول ضد العاصمة العباسية، بغداد، وخلافتها السنية؛ وما نتج عن ذلك الغزو المغولي من مآسي. فلم تثبت تلك المصادر أن المسلمين، من الشيعة الساكنين في حي الكرخ داخل بغداد، لم يشاركوا في الدفاع عن بغداد، إبان الحصار المغولي لهذه المدينة. ومع ذلك، فإنهم إن لم يشاركوا في الحرب ضد المغول، أو أنهم أبدوا تحفظاً، أو عدم تحمس في قتال المغول، فلربما أنهم كانوا ما يزالون ممتعضين من حكومتهم وجيشها، المكون من مماليكها - الذين يقوم بإدارة شؤونه وقيادته مملوك تركي (الدوادار الصغير) الذي هاجم أحياءهم السكنية؛ فسلبها المماليك وقتلوا أهلها، وهتكوا أعراض النساء، قبل أقل من سنتين؛ كل ذلك بأوامر من قائدهم أيبك الدوادار؛ كما رأينا ذلك في الفصل الثالث، أول فقرة "٣" من هذا الكتاب.
ومع ذلك، فإنه إذا قبل المرء صحة هذه الاتهامات، ضد المسلمين من طائفة الشيعة، في داخل بغداد، تلك التهم التي وجهها إليهم إخوانهم المسلمون من أتباع المذهب السني، ووجدت لها صدى في كتبهم، التاريخية على وجه الخصوص، إذاً فالسؤال هنا - الذي يمكن أن نطرحه - هو لماذا أقدم المغول على اقتحام جميع الأحياء السكنية، لأتباع المذهب الشيعي في داخل بغداد، وما تلاه من أعمال بشعة، ارتكبها الغزاة المغول في حقهم، وبهذه الطريقة ذبح أهلها، دون تمييز، بنفس الطريقة التي عومل بها بقية المسلمين داخل تلك المدينة المنكوبة؟ ثم أن هناك ناحية ثانية، وهي أن المؤرخ ابن الفوطي، والمؤرخ الآخر الأربيلي، وهما مؤرخان سنيان، لم يذكرا مسألة التهمة تلك ضد الشيعة، أو أنهم كانوا أحد العناصر المتآمرة ضد الخلافة العباسية.
وعلى ذلك، فإن للمرء أن يقول بأن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة؛ إذ لم تدعم، أو تثبت بأي دليل قاطع، يقوم أساساً على تقرير شاهد عيان معاصر؛ كما أنها لم تظهر هذه الاتهامات، أو الشائعات بمعنى أدق، إلا بعد سنوات طوال من بعد سقوط العاصمة بغداد، وانقراض أسرتها الحاكمة العباسية).
المصدر: سقوط الدولة العباسية ودور الشيعة بين الحقيقة والاتهام ص٣٣٠-٣٣٣.