بسم الله الرحمن الرحيم
تقليد الفقهاء عند السّلفيّة
سُئِلَ الشيخ الوهابي محمد بن صالح العثيمين: ما هو التقليد؟ وما هو الاجتهاد؟ وهل التقليد كان موجوداً في زمن الصحابة والتابعين فيقلِّد بعضهم بعضاً أم لا؟
فأجاب العثيمين: نعم، الاجتهاد هو بَذْل الجُهْد في الوصول إلى حُكمٍ شرعي من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، هذا هو الاجتهاد، ومن المعلوم أنه لا يصلح للاجتهاد إلا من كان عارفاً بطُرُقِه وعنده عِلم ودِراية، حتى يتمكن من الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها التي أشرت إليها. وأما التقليد فهو الأخذ بقول مجتهد من غير معرفة دليله، بل يقلده ثِقةً بقوله.
والتقليد في الواقع حاصلٌ من عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، فإن الله - تعالى - يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلِ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ولا شك أن من الناس في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - وإلى عهدنا هذا مَن لا يستطيع الوصول إلى الحكم بنفسه؛ لجهله وقصوره، ووظيفة هذا أن يسأل أهل العلم، وسؤال أهل العلم يستلزم الأخذ بما قالوا، والأخذ بما قالوا هو التقليد. وعلى هذا فنقول: من لا يتمكن من الوصول إلى الحق بنفسه فليتمكن من الوصول إليه بتقليد غيره من أهل العلم الذين أمر بسؤالهم إذا لم يكن عالماً.
ولكن إذا سألنا سائل: مَنْ أُقَلِّد؟
فالجواب: أن الواجب أن تُقَلِّد من تراه أقرب إلى الحق؛ لأن أهل العلم كالأطباء، فهم أطباء القلوب، وإذا كان الواحد منا إذا مَرِض وكان في البلد أطباء كثيرون، فإنه سوف يختار من كان أَحْذَقَ وأَعْرَف بالطِّبّ والأدوية والعلاج، ولا يمكن لأحد أن يذهب إلى طبيبٍ قاصر مع وجود من هو أَحْذَق منه إلا عند الضرورة؛ كذلك في التقليد اختر من تراه أقرب إلى الحق؛ لكونه أعلم وأتقى لله - عز وجل -، وفي هذه الحال تكون قد امتثلت أمر الله - تعالى - في قوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلِ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]).
المصدر: فتاوى نور على الدرب، ج٢، ص٤٦١-٤٦٢، الناشر: مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية.