بسم الله الرحمن الرحيم
نزول القرآن في تهديد عائشة وحفصة
قال تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً).
من الأمور التي تنبّه على خروج نساء النبيّ عن دلالة آية التطهير، بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً من رواياتٍ صريحةٍ في هذا المعنى (هنا)، أنّ هذه الآيات المذكورة قد نزلت في عائشة وحفصة، وهذا لا ينسجمُ مع إذهاب الرجس عنهما.
إنّ إذهاب الرّجس لا يتلاءم مع قيامهم بما يوجِب إيذاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وما يستدعي نزول آياتٍ قرآنيّةٍ فيها تهديدٌ ووعيدٌ وزَجْرٌ، حتّى أنّ الله يبيّن أنّه في حال التظاهر على النبيِّ فإنّه منصورٌ بنصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة، وهذا ما يبيّن عَظَمة الخَطْبِ وشناعة الموقف الذي أوذِيَ النبيُّ به، وإنّ حَشْدَ الله هذا الجمع الكبير بهذا الشّكل لنصرة نبيّه أمام من يؤذيه ويتآمر عليه يدلّ صريحاً على أنّ أمراً عظيماً قد ارتُكب، وإلّا فما الدّاعي إلى هذا التهديد العظيم؟!
كما أنّه ضربَ لهما مثلاً بزَوْجتي نوحٍ ولوطٍ، وحذَّرهما من أن تحذوا حَذْوَهما في خِيانة رسول الله وإيذائه، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)، وقد نصّ بعضُ علماء أهل السنة والجماعة على أنّ هذه الآيات مرتبطةٌ بالتهديد السّالف بنصرة الله لنبيِّه وبتطليقهما، وفيها تعريضٌ بهما لما فعلتاه، وتحذير ووعيدٌ، وأنّ الرابطة الزوجيّة بالنبيّ لا تغني عنهما أمام الله شيئاً ولا تمنع من دخولهما النّار مع الدّاخلين.
لقد تعرّض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لمكائد كثيرة وعظيمة، تصدّى القرآن الكريم لبيان الموقف منها وتحذير المتآمرين على رسول الله والمريدين إيذاءه من الغضب الإلهي لسوء عاقبة هذه الأفعال، ولا يخفى أنّ القرآن لا ينزلُ لغواً ولا عبثاً ولا للتعليق على أحداثٍ عابرةٍ لا علاقة لها بمسار الدين الإسلاميّ وتعاليمه، بل إنّه في كلّ موقفٍ ينثر درراً من الحكمة التي تنبّه العقول وترشدهم إلى حقيقة المواقف والأفعال والأشخاص، وعلى العاقل أن يتدبّر ويعرف ما وراء هذا البيان الإلهيّ.
وفي هذا السياق، نعرضُ جملةً من الوثائق التي تبيّن:
1. الدليل على نزول الآيات في عائشة وحفصة.
2. نصوص بعض علماء أهل السنة في أنّ ضرب المثل تهديدٌ وتخويفٌ لهما.
أولاً: الدليل على نزول هذه الآيات في عائشة وحفصة.
١- روى البخاري في صحيحه: (حدَّثنا عليٌّ، حدَّثنا سفيان، حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: سمعتُ عُبَيدَ بن حُنَينٍ، قال: سمعتُ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، يقولُ: أرَدْتُ أنْ أسألَ عمرَ رضي الله عنه، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ، مَنِ المَرْأتانِ اللَّتانِ تَظاهَرَتا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فما أتمَمْتُ كَلامي حتَّى قال: عائشةُ وحَفْصةُ).
المصدر: صحيح البخاري، ج٣، ص٧٣٦، كتاب التفسير، سورة التحريم، باب {وإذ أسرَّ النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبَّأت به وأظهرهُ الله عليه...}، رقم الحديث ٤٩١٤.
وروى أيضاً: (حدَّثنا الحُمَيديُّ، حدَّثنا سفيان، حدَّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: سمعتُ عُبَيدَ بن حُنَينٍ، يقولُ: سمعتُ ابن عبَّاسٍ، يقولُ: أردت أنْ أسأَل عمرَ عن المَرْأتينِ اللَّتَينِ تَظاهَرَتا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فمَكَثْتُ سنةً، فلم أجِدْ له موضعاً، حتَّى خَرَجْتُ معه حاجّاً، فلمَّا كنَّا بظَهْرانَ ذهبَ عمرُ لحاجَتِه، فقال: أدرِكْني بالوضوء، فأدرَكْتُه بالإدَاوَةِ، فجَعَلْتُ أسكُبُ عليه، ورأيتُ موضعاً، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ، مَنِ المَرْأتانِ اللَّتانِ تظاهَرَتا؟ قال ابن عبَّاسٍ: فما أتمَمْتُ كَلامي حتَّى قال: عائشةُ وحَفْصة).
المصدر: صحيح البخاري، ج٣، ص٧٣٦، كتاب التفسير، سورة التحريم، باب قوله: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}، رقم الحديث ٤٩١٥، الناشر: دار الرسالة العالمية - دمشق، سنة النشر: ١٤٣٢هـ - ٢٠١١م.
٢- أخرج مسلم في صحيحه: (وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حَرْبٍ -واللَّفظ لأبي بكر- قالا: حدَّثنا سفيان بن عُيَيْنَةَ، عن يحيى بن سعيدٍ، سَمِعَ عُبَيدِ بن حُنَينٍ (وهو مولى العبَّاس)، قال: سَمِعْتُ ابن عبَّاسٍ يقولُ: كُنْتُ أريدُ أنْ أسألَ عُمَرَ عن المَرْأتينِ اللَّتينِ تَظاهَرَتا على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَبِثْتُ سنةً ما أَجِدُ موضِعاً، حتَّى صَحِبْتُهُ إلى مَكَّة، فلمَّا كان بِمَرِّ الظَّهْران ذَهَبَ يقضِي حاجَتَه، فقالَ: أدْرِكْنِي بإِداوةٍ مِنْ ماءٍ. فأتَيْتُهُ بها، فلمَّا قَضَى حاجَتَهُ وَرَجَعَ، ذَهَبْتُ أصُبُّ عليهِ، وذَكَرْتُ فقلتُ له: يا أميرَ المؤمنينَ مَنِ المَرْأتانِ؟ فمَا قَضَيْتُ كلامي حتَّى قالَ: عائشةُ وحفصةُ).
المصدر: صحيح مسلم، ج٤، ص١٢٩-١٣٠، رقم الحديث ١٥٠٢/ ٣، الناشر: دار التأصيل - القاهرة، الطبعة: الأولى، سنة النشر: ١٤٣٥هـ - ٢٠١٤م.
٣- روى أحمد في مسنده: (حدثنا سفيان، عن يحيى - يعني ابن سعيد - عن عُبيد بن حُنَيْن، عن ابن عباس، قال: أَردتُ أَن أَسأَلَ عمرَ فما رأَيت موضعاً، فمَكثتُ سنتين، فلما كنا بمَرِّ الظَّهْران، وذهب لِيَقضِيَ حاجَتَه، فجاء وقد قَضى حاجتَه، فذهبتُ أَصبُّ عليه من الماء، قلت: يا أَميرَ المؤمنين، منِ المرأتان اللتان تظاهَرَتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: عائشةُ وحفصةُ).
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
المصدر: مسند أحمد بن حنبل، ج١، ص٤١٨، رقم الحديث ٣٣٩، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة.
كلمات المُفسِّرين
١- قال الطبري في تفسيره: (وقولُه: {وإن تظاهرا عليه} يقولُ تعالى ذكرُه للتي أسرَّ إليها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حديثَه، والتي أفشَت إليها حديثَه، وهما عائشةُ وحفصةُ رضِي الله عنهما).
المصدر: تفسير الطبريّ، ج٢٣، ص٩٤، الناشر: دار عالم الكتب - الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: ١٤٢٤هـ - ٢٠٠٣م.
٢- قال البغوي في تفسيره: ({إن تتوبا إلى الله} أي: من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء، يخاطب عائشة وحفصة (فقد صغت قلوبكما) أي: زاغت ومالت عن الحق، واستوجبتما التوبة، قال ابن زيد: مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته).
المصدر: تفسير البغوي، ج٤، ص٤٢٦، الناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة: الثالثة، سنة النشر: ١٤٣١هـ - ٢٠١٠م.
٣- قال ابن الجوزي: (قوله تعالى : {فلما نَبَّأها به} أي: أخبر حفصة بإفشائها السرَّ {قالت من أنبأك هذا؟} أي: من أخبرك بأني أفشيت سرك؟ {قال نبأني العليم الخبير} ثم خاطب عائشة وحفصة، فقال: {إن تتوبا إلى الله} أي: من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيذاء {فقد صغت قلوبكما} قال ابن عباس : زاغت، وأثمت. قال الزجاج: عدلت، وزاغت عن الحق. قال مجاهد: كنا نرى قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} شيئاً هيِّنا حتى وجدناه في قراءة ابن مسعود: فقد زاغت قلوبكما. وإنما جعل القلبين جماعة لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة).
المصدر: زاد المسير في علم التفسير، ج٨، ص٣١٠، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثالثة، سنة النشر: ١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م.
٤- قال القرطبي في تفسيره: (قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله} يعني حفصة وعائشة، حَثَّهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. {فقد صغت قلوبكما} أي: زاغَتْ ومالت عن الحقِّ. وهو أنهما أَحَبَّتَا ما كَرِه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل، وكان عليه الصلاة والسلام يحبُّ العسل والنساء).
المصدر: الجامع لأحكام القرآن، ج٢١، ص٨٣، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: ١٤٢٧هـ - ٢٠٠٦م.
٥- قال الحافظ الذهبي: (وحفصة وعائشة هما المرأتان اللتان تَظَاهَرتا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل اللهُ فيهما: {إنْ تَتُوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلوبُكُما وإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإِنَّ اللهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبْريلُ}..الآية).
المصدر: سير أعلام النبلاء، ج٢، ص٢٢٩، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الحادية عشرة، سنة النشر: ١٤٢٢هـ - ٢٠٠١م.
٦- قال ابن كثير في تفسيره: (ومما يدل على أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عُبَيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)، حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإِداوة، فتبرّز ثم أتاني، فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)؟ فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس - قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه - قال: هي حفصة وعائشة...).
المصدر: تفسير القرآن العظيم، ج٧، ص٣١٦، الناشر: دار ابن الجوزي - الدمام، الطبعة: الأولى، سنة النشر: ١٤٣١.
٧- قال الشيخ محمّد الأمين الشنقيطي: (قوله تعالى: (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلِ مِن قلبين في جوفِهِ). هذه الآية الكريمة تدل بفحوى خطابها أنه لم يجعل لامرأة من قلبين في جوفها.
وقد جاءت آية أخرى يوهم ظاهرها خلاف ذلك، وهي قوله تعالى في حفصة وعائشة: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) الآية [التحريم/ ٤]، فقد جمع القلوب لهاتين المرأتين).
المصدر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، ص٢٥٥، الناشر: دار عالم الفوائد - مكة المكرمة.
ثانياً: نصوص بعض علماء أهل السنة في أنّ ضرب المثل تهديدٌ وتخويفٌ لهما.
1- قال الشيخ إسماعيل بن أحمد الحيري النيسابوريّ (ت:430هـ): (ثم حذّر اللهُ حفصة وعائشة بامرأة نوح وامرأة لوطٍ، ورغّبهما في آسية امرأة فرعون وفي مريم بنت عمران، يقول لحفصة وعائشة: لا تكونا في المعصية كامرأة نوح وامرأة لوط، وكونا كآسية ومريم في المؤمنين).
المصدر: الكفاية في التفسير، ج9، ص80، تحقيق: علي بن غازي التويجري وآخرين، الناشر: مركز تفسير للدراسات القرآنية-الرياض، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1440هـ/2019م.
2- قال الواحديّ (ت: 468هـ): (ثم خَوَّفَ عائشة وحفصة في تظاهرهما على الرسول، وذكر أنهما إن عصتا ربهما، لم يغنِ محمد صلى الله عليه وسلم عنهما شيئاً، وضرب لهما امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا، فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ}، ثم ذكر حالهما فقال: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} يعني: نوحاً ولوطاً، {فَخَانَتَاهُمَا} قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين، كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف إذا نزل بلُوط ضيف بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت، ليعلم قومه أنه قد نزل به ضيف. وقال الكلبي: أسرّتا النفاق وأظهرتا الإيمان. {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا} لم يدفعا عنهما عذاب الله، أعلم اللهُ تعالى أن الأنبياء لا يغنون عمّن عمل بالمعاصي شيئاً، فقطع الله تعالى بهذه الآية طمع من ركب المعصية، ورجا أن ينفعه صلاح غيره. ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً..إلخ).
المصدر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ج4، ص322، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، الناشر: دار الكتب العلمية-بيروت، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1415هـ/1994م.
3- قال أبو المظفّر السمعانيّ (ت: 489هـ): (وقوله: {فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً} أي: لم (يدفعا) نوح ولوط عنهما، {وقيل ادخلا النار مع الداخلين ◆ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ◆ ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} أي: عن امرأتيهما. والمراد تحذير عائشة وحفصة، يعني: أنكما إن عصيتما ربكما لم يدفع رسول الله عنكما شيئاً، كما لم يدفع نوح ولوط عن امرأتيهما. وقوله: {وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي: قيل للمرأتين).
المصدر: تفسير القرآن، ج4، ص478، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم- أبي بلال غنيم بن عباس بن غنيم، الناشر: دار الوطن-الرياض، الطبعة: الأولى، 1418هـ/1997م.
4- قال الحافظ ابن الجوزيّ (ت: 597هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ} قال المفسرون -منهم مقاتل-: هذا المثل يتضمّن تخويف عائشة وحفصة أنهما إن أغضبتا ربّهما لم يغن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهما شيئاً).
المصدر: زاد المسير، ج8، ص314، الناشر: المكتب الإسلامي -بيروت، الطبعة: الرابعة، سنة النشر: 1407هـ/1987م.
5- قال ابن قيّم الجوزيّة (ت: 751هـ): (ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياقَ السورة؛ فإنها سِيقَتْ في ذكر أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتحذير من تظاهرهنَّ عليه، وأنهن إن لم يُطِعْنَ اللَّه ورسوله ويُرِدْنَ الدارَ الآخرة لم ينفعهن اتصالهن برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما، ولهذا إنما ضرب اللَّه في هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة).
المصدر: أعلام الموقِّعين عن ربّ العالمين، ج1، ص377، تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع-مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1437هـ.
6- قال الشيخ عبد الرحمن السّعديّ (ت: 1376هـ): ( هذان المثلان اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن وقربه منه لا يفيده شيئاً، وأن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئًا مع قيامه بالواجب عليه. فكأن في ذلك إشارة وتحذيراً لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم عن المعصية، وأن اتصالهن به صلى الله عليه وسلم لا ينفعهن شيئاً مع الإساءة، فقال: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا} أي: المرأتان {تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} وهما نوح ولوط عليهما السلام. {فَخَانَتَاهُمَا} في الدين، بأن كانتا على غير دين زوجيهما، وهذا هو المراد بالخيانة لا خيانة النسب والفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، وما كان الله ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغياً، {فَلَمْ يُغْنِيَا} أي: نوح ولوط {عَنْهُمَا} أي: عن امرأتيهما {مِنَ الله شَيْئًا وَقِيلَ} لهما {ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}).
المصدر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان، ج4، ص1854-1855، الناشر: دار ابن الجوزي-الدمّام، الطبعة: الثالثة، سنة النشر: 1433هـ.
7- قال الشيخ ابن عاشور: (ومناسبة ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط دون غيرهما من قرابة الأنبياء نحو أبي إبراهيم وابن نوح عليهما السلام لأن ذكر هاتين المرأتين لم يتقدم. وقد تقدم ذكر أبي إبراهيم وابن نوح، لتكون في ذكرهما فائدة مستجدة، وليكون في ذكرهما عقب ما سبق من تمالؤ أمي المؤمنين على زوجهما صلى الله عليه وسلم تعريض لطيف بالتحذير من خاطر الاعتزاز بغناء الصلة الشريفة عنهما في الوفاء بحق ما يجب من الإخلاص للنبيء صلى الله عليه وسلم ليكون الشبه في التمثيل أقوى. فعن مقاتل «يقول الله سبحانه لعائشة وحفصة: لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم» . ووضحه في «الكشاف» بأنه من قبيل التعريض. ومنعه الفخر، وقال ابن عطية: «قال بعض الناس في المثلين عبرة لزوجات النبيء صلى الله عليه وسلم حين تقدم عتابهن. وفي هذا بعد لأن النص أنه للكفار يبعد هذا» اه.
ويدفع استبعاده أن دلالة التعريض لا تنافي اللفظ الصريح، ومن لطائف التقييد بقوله تعالى: للذين كفروا أن المقصد الأصلي هو ضرب المثل للذين كفروا، وذلك من الاحتراس من أن تحمل التمثيل على المشابهة من جميع الوجوه والاحتراس بكثرة التشبيهات ومنه تجريد الاستعارة).
المصدر: تفسير التحرير والتنوير، ج27، ص374، الناشر: الدّار التونسيّة للنشر والتوزيع.
الدليل على نزول هذه الآيات في عائشة وحفصة