بسم الله الرحمن الرحيم
نزول آية التطهير في أصحاب الكساء (٢): كلام الحافظ الطّحاويّ
قال الحافظ الطحاوي في (شرح مشكل الآثار ج٢، ص٢٣٥-٢٣٧):
(٧٦١- حدثنا الربيعُ المراديُّ، حدثنا أسدُ بنُ موسى، حدثنا حاتِم بن إسماعيل، حدثنا بُكيرُ بنُ مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية دَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليّاً، وفاطمةَ، وحسناً، وحسيناً عليهم السَّلامُ، فقال: "اللهم هؤلاء أَهْلِي".
ففي هذا الحديثِ أن المرادِينَ بما في هذه الآية هُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعليٌّ، وفاطمةُ، وحسنٌ، وحُسينٌ.
٧٦٢- حدَّثنا فهدٌ، حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حَدَّثنا جريرُ بنُ عبدِ الحميد، عن الأعمش، عن جعفر بنِ عبد الرحمن البَجَلِيّ، عن حُكَيم بنِ سَعْدٍ، عن أُمِّ سلمة قالت: نزلت هذه الآيةُ في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعليٍّ، وفاطمةَ، وحسنٍ، وحُسينٍ عليهم السَّلامُ: (إِنَّما يُرِيدُ الله لِيذهب عنكم الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تظهيراً) [الأحزاب: ٣٣].
ففي هذا الحديث مِثْلُ الذي في الأول).
ثمَّ ذَكَرَ الطحاوي عدَّة روايات بهذا الخصوص إلى أن قال (ص٢٤٤-٢٤٥):
(فدلَّ ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة مما ذكر فيها لم يُرِدْ به أنها كانت مما أريد به مما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأن المرادِين بما فيها هُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعليٌّ، وفاطمةُ، وحسنٌ، وحُسينٌ عليهم السَّلامُ دونَ من سواهم).
إلى أن قال (ص٢٤٦-٢٤٨):
(وحديث سعد، وما قد ذكرناه معه من الأحاديث في أوَّل هذا الباب معقولٌ بها من أهل الآية المتلوةِ فيها، لأنَّا قد أحطنا علماً أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا دعا مَنْ دعا من أهله عند نزولِها لم يبق من أهلها المرادِين فيها أحداً سواهم، وإذا كان ذلك كذلك، استحالَ أن يَدْخُلَ معهم فيما أُريدت به سواهم، وفيما ذكرنا من ذلك بيانُ ما وصفنا.
فإن قال قائل: فإن كتابَ الله يَدُلُّ على أن أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هم المقصودون بتلك الآيةِ، لأنَّه قال قبلَها في السورة التي هي فيها: (يا أيُّها النَّبيُّ قُلْ لأزواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ) - إلى قوله -: (يا نِساءَ النَّبيِّ لَسْتُنَّ) - إلى قوله -: (الجاهلية الأولى) [الأحزاب: ٢٨-٣٣]، فَكَانَ ذلك كُلُّه يُرَدْنَ به، لأنه على خطاب النساء، لا على خطابِ الرجال، ثم قال: (إنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية.
فكان جوابنا له أنَّ الذي تلاه إلى آخر ما قَبْلَ قولِهِ: (إنما يُرِيدُ الله)...الآية، خطابٌ لأزواجه، ثم أعقب ذلك بخطابه لأهلِه بقولِه تعالى: (إنما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ). الآية، فجاء على خطابِ الرجال، لأنه قال فيه: (لِيُذْهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ ويُطَهِّرَكُمْ)، وهكذا خطابُ الرجال، وما قبلَه، فجاء به بالنون، وكذلك خطابُ النساء. فعقلنا أن قولَه: (إنما يُريدُ الله ليذهب). الآية، خطابٌ لمن أراده من الرجال بذلك ليُعْلِمَهُم تشريفَه لهم، ورفعتَه لمقدارهم أن جعل نساءَهم من قد وصفه لما وصفه به مما في الآيات المتلواتِ قبلَ الذي خاطبهم به تعالى.
ومما دلَّ على ذلك أيضاً:
٧٧٤- ما قد حدثنا ابنُ مرزوق، حدثنا روحُ بنُ عبادة، حدثنا حمادُ بنُ سلمة، عن علي بنِ زيدٍ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خَرَجَ لِصلاة الفجر يقول: "الصَّلاةَ يا أَهْلَ البيتِ، (إنما يُريدُ الله) الآية".
٧٧٥- وما قد حدَّثنا ابنُ مرزوق، حدثنا أبو عاصم النبيل، عن عبادة - قال أبو جعفر: وهو ابنُ مسلم الفزاري، من أهلِ الكوفة، قد روى عنه أبو نعيم - قال: حدثني أبو داود - قال أبو جعفر: وهو نفيعٌ الهمداني الأعمى مِن أهل الكوفة أيضاً - قال: حدَّثني أبو الحمراء، قال: صَحِبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تسعةَ أشهر، كان إذا أصبح، أتى بابَ فاطمة عليها السَّلامُ، فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُم أهلَ البَيْتِ، (إنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البَيْتِ) الآية". وفي هذا أيضاً دليلٌ على أهل هذه مَنْ هم، وبالله التوفيق).