الجمعة، 7 أغسطس 2020

بأسانيد صحيحة: النبيّ (ص) يُقاتل على التنزيل، وعليّ (ع) يُقاتل على التأويل

بسم الله الرحمن الرحيم
بأسانيد صحيحة: النبيّ (ص) يُقاتل على التنزيل، وعليّ (ع) يُقاتل على التأويل

من أهمّ الفضائل الجليّة والمناقب العليّة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ما رواه علماءُ أهل السنة بالأسانيد الصحيحة والقويّة من حديث النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وإخباره بأنّه (عليه السلام) يُقاتل على التأويل كما قاتلَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) على التَّنْزِيل، وهذه فضيلةٌ عظيمةٌ تُظهر جزءً من علوّ مقام أمير المؤمنين عليّ - صلوات الله عليه -. ولبيان هذه الحقيقة، سنسرد جملةً من روايته المعتبرة في كتب المحدّثين، ثم نشيرُ إلى بعض النقاط التي تبيّن دلالات هذا الحديث الشريف.

١- أخرج أحمدُ بن حنبل في مسنده (ج١٧، ص٣٩٠-٣٩١، ح١١٢٨٩، الناشر: مؤسسة الرسالة): (حدثنا وكيع، حدثنا فِطْر، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ على تَأوِيلِهِ كما قاتَلْتُ على تَنْزِيلِهِ" قال: فقام أبو بكر وعمر فقال: "لا، ولكنه خاصِفُ النَّعْل". وعليٌّ يَخْصِفُ نَعْلَهُ).
قال شعيب الأرنؤوط: (حديث صحيح، وهذا إسناد حسن).
وأخرج أيضاً في مسنده (ج١٨، ص٢٩٥-٢٩٦، ح١١٧٧٣): (حدثنا حسين بن محمد، حدثنا فِطْر، عن إسماعيل بن رجاء الزُّبيدي، عن أبيه، قال: سَمِعْتُ أبا سعيد الخُدْرِي يقول: كُنَّا جلوساً ننتظر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فَقُمْنا معه، فانقطعت نَعْلُه، فتخلَّف عليها عليٌّ يَخْصِفُها، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه فقال: "إنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقاتِلُ على تَأْوِيلِ هذا القُرآنِ، كما قاتَلْتُ على تَنْزِيلِهِ" فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر فقال: "لا، ولكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ". قال: فجِئْنا نُبَشِّره قال: وكأَنَّهُ قَدْ سَمِعَه).
قال شعيب الأرنؤوط: (حديث صحيح، وهذا إسناد حسن).
  
٢- أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف، ج١٧، ص١٠٥، ح٣٢٧٤٥): (حدثنا ابن أبي غَنية، عن أبيه، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا جلوساً في المسجد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلينا، ولَكَأن على رؤوسنا الطير لا يتكلم أحد منا، فقال: "إن منكم رجلاً يقاتل الناسَ على تأويل القرآن كما قوتلتم على تنزيله" فقام أبو بكر فقال: أنا هو يا رسول الله؟ قال: "لا"، فقام عمر فقال: أنا هو يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكنه خاصف النعل في الحُجْرة"، قال: فخرج علينا عليّ ومعه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلح منها).
قال محمد عوَّامة: (إسناده صحيح).

٣- أخرج أبو يعلى في مسنده (ج٢، ص٣٤١-٣٤٢، ح١٠٨٦): (حدثنا عثمان، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: سَمِعْت رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ : "إنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقاتِلُ عَلى تَأْويلِ القُرْآن كَما قاتَلْتُ عَلى تَنْزِيلِهِ" فَقالَ أبو بكر: أنا هُوَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "لا" قالَ عمرُ: أنا هُوَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: "لا ، وَلكِنَّهُ خاصِفُ النَّعْلِ" ، وكانَ أعْطى عَلِياً نَعْلَهُ يَخْصِفُها).
قال حسين سليم أسد: (إسناده صحيح).

٤- أخرج ابن حبان في صحيحه (ج١٥، ص٣٨٥، ح٦٩٣٧): (أخبرنا أحمدُ بنُ علي بنِ المُثَنَّى، حدثنا عثمانُ بنُ أبي شيبة، حَدَّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن إسماعيلَ بنِ رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ مِنكُم مَنْ يُقاتِلُ عَلَى تَأوِيلِ القُرآنِ كَما قَاتَلتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ"، قال أبو بكر: أنا هُوَ يا رَسُولَ الله؟ قال: "لاَ"، قال عمر: أنا هُو يا رسولَ الله؟ قال: "لا، ولكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ"، قال: وكان أعطى علياً نَعلهَ يَخصِفُه).
قال شعيب الأرنؤوط: (إسناده صحيح على شرط مسلم).

 ٥- قال الذهبي في (تاريخ الإسلام، ج٢، ص٣٦٦، تحقيق: بشار عواد معروف): (وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ منكم مَنْ يقاتلُ على تأويلِ القرآن، كما قاتلْتُ على تنزيله". فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: "لا". قال عمر: أنا هو؟ قال: "لا، ولكنّه خاصف النَّعْل"، وكان أعطى عليّاً نعله يخصِفُها").
قال بشار عواد معروف: (أخرجه أحمد ٣/ ٣١ و٣٣ و٨٢ من طرقٍ عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل، به. وإسناده صحيح).

٦- أورده الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة ج٥، ص٦٣٩، ح٢٤٨٧) : (إنَّ مِنْكم مَن يُقاتِلُ على تأْويلِ هذا القُرْآنِ، كما قاتَلْتُ على تَنْزِيلِهِ، فاسْتَشْرَفْنا وفينا أبو بكرٍ وعمرُ، فقال: لا، ولكنَّه خاصِفُ النَّعْلِ . يعني علياً رضيَ الله عنه ).

وبحسب ما قدّمناه، فهذه فضيلةٌ ثابتةٌ لا ريب فيها، وهي دالةٌ على علوّ مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه-، ولذا من الجدير بالذكر أن نشير إلى بعض النقاط الموضِّحة:

أولاً: إنّ حديثَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) على التأويل إخبارٌ غيبيٌّ بما سيقعُ في المستقبل، وإنّ إخبارات النبيّ (صلى الله عليه وآله) الغيبيّة ليست أمراً اعتباطيّاً، فإنّه لا يُخبر عن وقوع شيء من باب العبث، وإنما يأتي ذلك انطلاقاً من عمله في بيان طريق الهداية للأمّة الإسلاميّة وتحذيرهم من سبل الانحراف، فهذه الإخبارات ذات مغزىً عميقٍ وثريّ بالدلالات المُحكمة، ومما يُستفاد منها أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو حاملُ القرآن بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمدافع عن حقائقه في مقابل أهل التأويل المنحرف الزائغ عن الصراط المستقيم.
ويتحصّل من ذلك: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو قائدُ أهل الحقّ والهداية والاستقامة، بينما مخالفوه هم أهل الباطل والضلال والانحراف.
ثانياً: إنّ الموازاة بين قتال النبيّ (صلى الله عليه وآله) على التنزيل وقتال أمير المؤمنين (عليه السلام) على التأويل تُظهر أنّ دور أمير المؤمنين (عليه السلام) في القتال على التأويل ليس سلوكاً شخصياً كما كان ديدن الخلفاء الآخرين في أعمالهم، بل هو عملٌ ذو مكانةٍ ساميةٍ، ولعلوّ مكانته استحقّ أن تُعرّفَ الأمة الإسلاميّة به قبل وقوعه، لما له من أثرٍ في حماية الإسلام وحفظ طريق الهداية، ولا نُبالغ لو قلنا إنّهُ إكمالٌ لمسيرة الرسالة الإلهيّة بالحفاظ على القرآن وصيانته من تحريف أهل الباطل والضلال وتشويه مفاهيمه، ومثل هذه المهمة لا توكل لإنسان يفتقرُ إلى خصالٍ وصفاتٍ تؤهّله لأدائها.
ومن هُنا ينبغي أن يُشار إلى أمرٍ يخصُّ هذه الموازاة؛ فإنّ المُقاتل على التنزيل هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) العالمِ بالقرآن وحقائقه وأسراره وظاهره وباطنه، وإنّ المقاتل على التأويل لا يمكنه أن يؤدّي هذه المهمة دفاعاً عن كتاب الله العظيم دون أن يكون عالماً بما يُدافع عن مفاهيمه وحقائقه، وهذا أقربُ إلى الشهادة بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو وارث علمِ النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ويؤيِّدُ ذلكَ ما أشرنا إليه في موضوع سابقٍ من قول الإمام (عليه السلام): (سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلّا حدّثتُكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليلٍ نزلتْ أو نهار، وأم في سهلٍ أم في جبل..إلخ) [لمراجعة الموضوع بتفاصيله: اضغط هنا]
ثالثاً: إنّ استشراف بعض الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر - كما أشير إليه في الحديث - لنيل شرف هذه الصفة والمكانة دليلٌ على انفراد أمير المؤمنين (عليه السلام) بفضائل ومناقب فريدة اختصّ بها دون سائر الصحابة، فمن الوهن والتناقض أن يُقَدّمَ عليه من هو دونه، ومن لم يَحُزْ تلك الفضائل العظيمة، فضلاً عمّا في ذلك من إشارة إلى افتقارهم إلى مؤهّلات القيام بهذا العمل المحوريّ في تاريخ الإسلام، وقد وردت شواهد أخرى تبيّن افتقارهم لمؤهلات النهوض بكثير من الأعمال المهمّة في خدمة الإسلام من قبيل ما ورد من عزل أبي بكر عن تبليغ سورة براءة إلى أهل مكّة وتفويض ذلك إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّه لا يؤدّي عنه إلا هو أو عليّ - صلوات الله عليه - .

رواية أحمد بن حنبل في (المسند)
 
 
 
 

رواية أبي بكر بن أبي شيبة في (المصنّف)

رواية أبي يعلى الموصليّ في (المُسند)
 
 
رواية ابن حبّان في صحيحه
 
تصحيح المحقق بشّار عوّاد معروف للرواية
 
تصحيح الألبانيّ للرواية
 

كشف التحريفات (٧۰): تحريف كتاب «جامع البيان في تفسير القرآن» بحذف استغاثة المصنِّف بالنبيِّ (ص)

بسم الله الرحمن الرحيم كشف التحريفات (٧۰): تحريف كتاب «جامع البيان في تفسير القرآن» بحذف استغاثة المصنِّف بالنبيِّ (ص) قال الشيخ محمد بن عبد...