بسم الله الرحمن الرحيم
امتناع التابعي سعيد بن جبير من ذكر منقبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) خوفاً من بطش بني أمية
من مشاهد مظلوميّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنّ فضائله قد حاربها بنو أميّة بكلّ وسيلة لديهم، فأخافوا رواة الحديث، وأرهبوا حَمَلة العلم، ومنعوهم من ذِكْر مناقبه وفضائله، وسابقته في الإسلام، ومقامه عند الله ورسوله، وجهاده بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن شواهد هذه الحقيقة:
ما رواه أحمد بن حنبل في كتابه (فضائل الصحابة، ج٢، ص٨٤٦، رقم الحديث ١١٦٣، ط دار ابن الجوزيّ): (قثنا سيار، يعني: ابن حاتم، قال: نا جعفر، يعني: ابن سليمان، قال: نا مالك، يعني: ابن دينار، قال: سألت سعيد بن جبير قلت: يا أبا عبد الله، من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فنظر إليَّ وقال: كأنَّك رخي البال! فغضبتُ وشكوتُه إلى إخوانه من القراء قلت: ألا تعجبون من سعيد؟ إني سألته: من كان حامل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنظر إليَّ وقال: إنَّك لرخيُّ البال. قالوا: أرأيت حين تسأله وهو خائف من الحجاج قد لاذ بالبيت؟! كان حاملها علي).
قال المحقق وصيّ الله بن محمد عباس: (إسناده حسن).
ورواه الحاكم النيسابوريّ بإسناده عنه، وقال: (هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد)، انظر: المستدرك على الصحيحين، ج٥، ص٣٤٦-٣٤٧، رقم الحديث ٤٧٢٤، ط دار التأصيل.
فإذا تيقّن المنصف من هذه الحقيقة، فليتفكّر في حقيقة ما وصله من تراثٍ صُنع تحت رقابة بني أميّة، وكم أخفي فيه من الحقّ بسبب إرهابهم، وكم اخترعوا من الباطل والبدع والزيف بقوّة بطشهم، وليستذكر مظلوميّة أهل البيت (عليهم السلام) وكيف هُضم حقّهم بيد هذه الأمّة، مع ما لهم من الفضل والمكانة ونصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على مرجعيّتهم وقيادتهم وإمامتهم كما في حديث الثقلين وأمثاله.
وليسأل العاقلُ نفسَه: إذا كانت الحربُ على فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) شديدة إلى هذه الدرجة بحيثُ يخاف العالِمُ على نفسه من التصريح بأنّه كان حامل رسول الله مع كونها حقيقةً تاريخيّةً مشهورة عند المسلمين منذ صدر الإسلام، فكيف كان بطشُهم بحقّ من نقلَ فضائل عظيمة جليلة من الأحاديث النبويّة في وصف مقاماته الإلهيّة وفضائله الزكيّة ومناقبه التي تعجزُ النفوس عن إحصائها والعقول عن الإحاطة بتمامها؟!