بسم الله الرحمن الرحيم
كلام ابن حزم الأندلسي عن جرائم يزيد بن معاوية
قال ابن حزم الأندلسيّ في كتابه (جوامع السيرة، ص٣٥٧-٣٥٨): (وبويع يزيدُ بن معاوية إذ مات
أبوه، يُكنى أبا خالد. وامتنع من
بَيْعَتِه الحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزُّبَيْر بن العَوَّام.
فأما الحسين عليه السلام والرحمة
فَنَهَضَ إلى الكوفة فقُتِل قبل دخولها، وهو ثالثة مصائب الإسلام بعد أمير
المؤمنين عثمان، أو رابعها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخرومِه، لأن المسلمين
استضيموا في قتله ظلماً علانيةً.
وأما عبد الله بن الزبير فاستجار بمكة،
فبقي هنالك إلى أن أغزى يزيدُ الجيوشَ إلى المدينة حرمِ رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وإلى مكة حرمِ الله تعالى، فَقَتَل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحَرَّة،
وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخُرومه، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار
المسلمين من جِلَّة التابعين قُتِلوا جَهْراً ظُلْماً في الحرب وصَبْراً، وجالت
الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الرَّوْضة بين
القَبْر والمِنْبَر، ولم تُصَلَّ جماعةٌ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا
كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المُسَيَّب فإنه لم يفارق المسجد، ولولا شهادة عمرو بن
عثمان بن عفان ومروان بن الحكم عند مُجْرِم بن عُقْبة المُرِّيِّ بأنه مجنونٌ
لَقَتَلَه.
وأكره الناسَ على أن يبايعوا يزيد بن
معاوية على أنهم عبيدٌ له، إن شاء باع وإن شاء أعتق، وذكر له بعضُهم البَيْعَةَ
على حكم القرآن وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بقتلِه فضرب عنقه
صبراً.
وهَتَكَ مُسْرِفٌ أو مُجْرِمٌ الإسلام
هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستُخِفَّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومُدَّت الأيدي إليهم وانتُهِبَتْ دورُهم؛ وانتقل هؤلاء إلى مكة شرَّفها الله
تعالى، فحوصِرَت، ورُمِيَ البيتُ بحجارة المنجنيق، تولَّى ذلك الحُصَيْن بن
نُمَيْر السَّكُونيِّ في جيوش أهل الشام، وذلك لأن مُجْرِم بن عقبة
المُرِّيِّ مات بعد وقعة الحَرَّة بثلاث
ليال، ووَلِيَ مكانَه الحُصَيْنُ بن نُمَيْر، وأخذ الله تعالى يزيدَ أخْذَ عزيزٍ
مُقتدر، فمات بعد الحَرَّة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين، وانصرفت الجيوش من
مكة..).