بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (١٨): تحريف رواية تُظهر رضى المغيرة بن شعبة بسبِّ أمير المؤمنين (ع)
روى أحمد بن حنبل في مسنده (ج٣، ص١٧٤-١٧٥، رقم الحديث ١٦٢٩): (حدثنا يحيى بن سعيد، عن صدقة بن المثنى، حدثني رياح بن الحارث: أن المغيرة بن شعبة كان في المسجد الأكبر، وعنده أهل الكوفة عن يمينه، وعن يساره، فجاءه رجل يدعى سعيد بن زيد، فحيَّاه المغيرة وأجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة، فسبَّ وسبَّ، فقال: من يسب هذا يا مغيرة؟ قال: يسب علي بن أبي طالب. قال: يا مغير بن شعب، يا مغير بن شعب - ثلاثاً -، ألا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك لا تنكر ولا تغير ... إلخ).
وهذه الرواية تُظهر أنَّ الناس كانوا لا يتحرجون ولا يخافون من سبِّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في محضر أمير الكوفة (المغيرة بن شعبة)، والظاهر أنّهم كانوا يستدرّون عطفه ورضاه بإظهار هذا الموقف، ولذلك رأى سعيدُ بن زيدٍ أماراتِ الرضا باديةً على المغيرة فأنكر عليه.
ولكن الحافظ أبا داود السجستاني روى هذه الرواية مع إبهام اسم المغيرة، قال: (حدثنا أبو كامل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا صدقة بن المثنى النخعي، حدثني جدي رياح بن الحارث، قال: كنت قاعداً عند فلان في مسجد الكوفة وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فرحب به وحيَّاه وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة، يقال له قيس بن علقمة فاستقبله فسبَّ وسبَّ، فقال سعيد: من يسب هذا الرجل؟ قال: يسب علياً. قال: ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يُسَبُّونَ عندك ثم لا تنكر ولا تغير..)، انظر: السنن، ج٧، ص١٥٩-١٦٠، رقم الحديث ٤٥٦٩.
يُلاحظ هنا أنّ اسم المغيرة بن شعبة قد غُيِّـر إلى «فلان»، وأنَّ مناداة سعيد بن زيد للمغيرة باسمه قد حُذِفتْ لئلا يُضطَّرَ إلى ذكر الاسم، لوضوح أنّ ذاك الرجل لم يكن ليسبَّ الإمام (عليه السلام) لولا أنّه أحرز رضا المغيرة بذلك، وإلَّا فهل من الممكن أن يأتي رجلٌ ويسب معاوية أمامه؟ بطبيعة الحال لن يقدر أحدٌ على القيام بذلك؛ لأن المغيرة سيمنع ذلك ولو بحدِّ السيف، لكن لما كان سبُّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) معمولاً به عند ولاة بني أمية كما ورد ذلك في الروايات الصحيحة – وسيأتيك شاهدٌ على هذا في التحريف التالي -، تجرَّأ عامة الناس على سبِّه تزلُّفاً لبني أمية وولاتهم في الأمصار.