بسم الله الرحمن الرحيم
قول الحافظ القسطلاني باستحباب التوسل والاستغاثة بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وذكره استغاثته به في الشدائد
ذكر الحافظ الفقيه الشافعي أحمد بن محمد القسطلاني - أحد شارحي صحيح البخاري - في كتابه (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) عبارات عديدة في شأن التوسل والاستغاثة بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله، منها:
1. قوله باستحباب التوسل والتشفع والاستغاثة بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
قال في كتابه (ج4، ص593): (وينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به - صلى الله عليه وسلم-، فجدير بمن استشفع به أن يشفعه الله تعالى فيه.
واعلم أن الاستغاثة هي طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث منه، فلا فرق بين أن يعبر بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو التشفع أو التجوّه أو التوجه؛ لأنهما من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنزلة.
وقد يتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه، ثم إن كلاً من الاستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي - صلى الله عليه وسلم- كما ذكره فى «تحقيق النصرة» و «مصباح الظلام» واقع في كل حال، قبل خلقه وبعد خلقه، فى مدة حياته فى الدنيا وبعد موته فى مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة).
وقال أيضاً في كتابه (ج4، ص594- 595): (وأما التوسل به - صلى الله عليه وسلم- بعد موته في البرزخ فهو أكثر من أن يحصى أو يدرك باستقصاء، وفي كتاب «مصباح الظلام فى المستغيثين بخير الأنام» للشيخ أبي عبد الله بن النعمان طرف من ذلك).
2. ذكره لقصّتين نقلهما في عمله بالتوسل والاستغاثة بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
قال في كتابه (ج4، ص 595-596): (ولقد كان حصل لي داء أعيا دواؤه الأطباء، وأقمت به سنين، فاستغثت به - صلى الله عليه وسلم- ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة بمكة زادها الله شرفاً، ومنّ عليَّ بالعود فى عافية بلا محنةٍ، فبينا أنا نائم إذ جاء رجل معه قرطاس يكتب فيه: هذا دواء لداء أحمد بن القسطلاني من الحضرة الشريفة بعد الإذن الشريف النبويّ، ثم استيقظت فلم أجد بي -واللهِ- شيئاً مما كنت أجده، وحصل الشفاء ببركة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-.
ووقع لي أيضاً فى سنة خمس وثمانين وثمانمائة فى طريق مكة، بعد رجوعي من الزيارة الشريفة لقصد مصر، أن صُرِعَتْ خادمتنا غزال الحبشية، واستمر بها أياماً، فاستشفعت به - صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فأتانى آتٍ في منامي، ومعه الجنيُّ الصارع لها فقال: لقد أرسله لك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم-، فعاتبته وحلفته أن لا يعود إليها، ثم استيقظت وليس بها قلبة كأنما نشطت من عقال، ولا زالت فى عافية من ذلك حتى فارقتها بمكة سنة أربع وتسعين وثمانمائة، والحمد لله رب العالمين... فعليك أيها الطالب إدراك السعادة الموصل لحسن الحال فى حضرة الغيب والشهادة، بالتعلق بأذيال عطفه وكرمه، والتطفل على موائد نعمه، والتوسل بجاهه الشريف والتشفع بقدره المنيف، فهو الوسيلة إلى نيل المعالي واقتناص المرام، والمفزع يوم الجزع والهلع لكافة الرسل الكرام، واجعله أمامك فيما نزل بك من النوازل، وإمامك فيما تحاول من القرب والمنازل، فإنك تظفر من المراد بأقصاه، وتدرك رضى من أحاط بكل شئ علماً وأحصاه).
طبعة الكتاب: (تحقيق: صالح أحمد الشامي، الناشر: المكتب الإسلاميّ، الطبعة الثانية 1425 هـ/2004م).