الاثنين، 10 مارس 2025

تحريف معاوية دلالةَ حديث الفئة الباغية، وردّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) عليه

بسم الله الرّحمن الرّحيم
تحريف معاوية دلالةَ حديث الفئة الباغية، وردّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) عليه

تأويل معاوية لحديث الفئة الباغية

١- أخرج أحمد في مسنده (ج٢٩ ص٣١٦-٣١٧ ح١٧٧٧٨): (حدثنا عبدُ الرَّزَّاق، قال: حدثنا مَعْمَر، عن ابن طاووس، عن أبي بَكْر بن محمَّد بن عَمْرو بن حَزْم، عن أبيه، قال: لمَّا قُتِلَ عمَّار بن ياسرٍ دَخَلَ عمرُو بن حَزْم على عَمْرو بن العاص، فقال: قُتِلَ عمَّارٌ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَقْتُلُه الفِئَةُ الباغِيَةُ". فقام عمرُو بن العاص فَزَعاً يُرجِّعُ حتى دخل على معاويةَ، فقال له معاويةُ: ما شَأنُكَ؟ قال: قُتِلَ عمارٌ. فقال معاويةُ: قد قُتِلَ عمارٌ، فماذا؟! قال عمرٌو: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تَقْتُلُه الفِئَةُ الباغِيَةُ". فقال له معاويةُ: دَحَضْتَ في بَوْلِك، أَوَنحنُ قَتَلناهُ؟ إنَّما قَتَلَه عليٌّ وأصحابُه، جاؤُوا به حتى أَلْقَوْهُ بينَ رِماحنا. أو قال: بين سُيوفِنا).
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
وأخرج في مسنده (ج١١ ص٤٢ ح٦٤٩٩): (حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمشُ، عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن الحارث، قال: إِني لأَسِيرُ مع معاوية في مُنْصَرَفِه من صِفِّينَ، بينَه وبينَ عمرو بن العاص، قال: فقال عبدُ الله بن عَمرو بن العاصي: يا أَبَتِ، ما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ لعَمَّارٍ: "وَيْحَكَ يا ابنَ سُمَيَّة! تقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيةُ"؟ قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تَسمعُ ما يقولُ هذا؟ فقال معاوية: لا تَزالُ تأْتينا بِهَنَةٍ! أَنَحْنُ قتلناه؟! إِنما قتله الذين جاؤوا به).
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
وأخرج في مسنده (ج١١ ص٥٢٢ ح٦٩٢٦): (حدثنا الفضلُ بنُ دُكَيْن، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبدِ الرحمن بنِ أبي زياد، عن عبد الله بنِ الحارث، قال: إنِّي لأُسَايِرُ عبدَ الله بنَ عمرو بن العاصي ومعاوية، فقال عبدُ الله بن عمرو لِعمرو: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تَقْتُلُهُ الفِئَةُ الباغِيَةُ" يعني عَمَّاراً، فقال عمرو لمعاوية: اسْمَعْ ما يقولُ هذا، فحَدَّثَه، فقال: أنحنُ قتلناه؟ إنما قَتَله مَنْ جاء به).
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

٢- أخرج أبو يعلى في مسنده (ج١٣ ص١٢٣-١٢٤ ح٧١٧٥): (حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل وإبراهيم بن محمد بن عرعرة - ونسخته عن نسخة إبراهيم - قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه قال: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ عَلَى عَمْرو بْنِ الْعاص فَقَال: قُتِلَ عَمَّارٌ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". فَدَخَلَ عَمْروٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ. قال معاوية: قُتِلَ عَمَّارٌ، فَمَاذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". قال: دَحَضْتَ فِي بَوْلِكَ، أَوَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ).
قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
وأخرج في مسنده (ج١٣ ص٣٣٣-٣٣٤ ح٧٣٥١): (حدثنا إسماعيل بن موسى بن بنت السُّدِّي، حدثنا أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: رَجَعْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مِنْ صِفِّينَ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيّ يَسِيرُونَ مِنْ جَانِبٍ، وَرَأَيْتُهُ يَسِيرُونَ مِنْ جَانِبٍ. فَكُنْتُ بَيْنَهُمْ لَيْسَ أَحَدٌ غَيْرِي، فَكُنْتُ أَحْيَاناً أُوضِعُ إِلَى هؤلَاءِ، وَأَحْيَانَاً أُوضِعُ إِلَى هؤُلَاءِ. فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْروٍ يَقُولُ لأَبِيهِ: أَبَةِ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِعَمَّارٍ حِينَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ: "إِنَّكَ لَحَرِيصٌ عَلَى الْأَجْرِ". قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: "وَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَتَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ؟" قَالَ: بَلَى قَدْ سَمِعْتُهُ. قَالَ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُ؟
قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ هذا؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِعَمَّارٍ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ: "وَيْحَكَ، إِنَّكَ لَحَرِيصٌ عَلَى الْأَجْرِ، وَلَتَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". قَالَ: بَلَى قَدْ سَمِعْتُهُ. قَالَ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُ؟
قَالَ: وَيْحَكَ، مَا تَزَالُ تَدْحَضُ فِي بَوْلِكَ. أَوَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ مَنْ جَاءَ بِهِ).
قال حسين سليم أسد: إسناده جيد.

٣- قال الذهبي في (تاريخ الإسلام ج٢ ص٣٢٨): (وقال عبد الله بن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عَمْرو بن حَزْم، عن أبيه، قال: لمّا قُتِلَ عمّار دخل عَمْرو بن حزم على عَمْرو بن العاص، فقال: قُتِلَ عمّار، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "تقتله الفئة الباغية"، فدخل عَمْرو بن العاص على معاوية، فقال: قُتِل عمَّار، قال معاوية: فماذا! قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقتله الفئةُ الباغية". قال: دحِضْتَ في بَوْلِك أَوَ نحنُ قتلناه، إنَّما قتله عليٌّ وأصحابُه).
قال الدكتور بشار عواد معروف: إسناده صحيح.
وقال في (سير أعلام النبلاء ج١ ص٤١٩-٤٢٠): (معمر: عن ابن طاووس، عن أبي بكر بن حزم، عن أَبيه قال: لما قتل عمّار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قُتل عمّار، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "تَقْتُلُه الفِئَةُ البَاغِيَةُ" فدخل عمرو على معاوية فقال: "قُتل عمّارٌ، فقال: قتل عمار فماذا؟ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تقتله الفِئَةُ الباغيَةُ". قال دحضت في بولك، أَوَ نحنُ قتلناه؟ إِنما قتله علي وأَصحابه الذين أَلقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا).
قال المحقق: إسناده صحيح.

٤- قال ابن كثير في (البداية والنهاية ج١٠ ص٥٣٧): (وقال أحمدُ أيضاً: حدَّثَنا أبو معاويةَ، حدَّثَنا الأعمشُ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ زيادٍ عن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ قال: إِنِّي لأسيرُ مع معاويةَ مُنْصرَفَه مِن صفِّينَ بينَه وبينَ عمرِو بنِ العاصِ. فقال عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو: يا أبتِ أمَا سَمِعتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ لعمّارٍ: "ويحَك يا ابنَ سُميَّةَ تَقْتُلُك الفئةُ الباغيةُ !"؟ فقال عمرٌو لمعاويةَ : ألَا تَسمَعُ ما يقولُ هذا؟ فقال معاويةُ : لا تزال تأتينا بهَنَةٍ، أَنحْنُ قتَلْنَاه؟ إنَّما قتَلَه الذين جاءُوا به. ثم رَواه أحمدُ، عن أبي نُعَيْمٍ، عن الثَّوْريِّ، عن الأعمشِ به نحوَه. تَفَرَّد به أحمدُ بهذا السِّياقِ مِن هذا الوجهِ.
وهذا التأويل الذي سلَكه معاويةُ بعيدٌ..).
قال الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في الحاشية ٨ من الصفحة نفسها: إسناده صحيح.

٥- قال البوصيري في (إتحاف الخيرة المَهَرَة بزوائد المسانيد العشرة ج٧ ص٢٩٧ ح٦٩٠٠ طبعة دار الوطن): (وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه قال : "دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتل [عماراً] الفئة الباغية. فدخل عمرو على معاوية فقال: قتل عمار. قال معاوية: قتل عمار فماذا؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: دحضت في بولك أو نحن قتلناه؟! فإنما قتله علي وأصحابه.
رواه أبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند رواته ثقات).

رد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) على معاوية

لقد أجاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) على كذب معاوية وتلبيسه بجوابٍ مُفحم، نقله جملة من الأعلام:

١- قال القرطبي في (التذكرة ج٣ ص١٠٨٩-١٠٩٠): (وحسبك بقول سيد الأولين وإمام المتقين لعمار: "تقتلك الفئة الباغية"، وهو من أثبت الأحاديث كما تقدم.
ولما لم يقدر معاوية على إنكاره لثبوته عنده قال: إنما قتله من أخرجه، ولو كان حديث فيه شك لرده معاوية وأنكره، وأكذب ناقله وزوَّره، وقد أجاب علي رضي الله عنه عن قول معاوية بأن قال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذاً قتل حمزة حين أخرجه، وهذا من علي رضي الله عنه [إلزام لا جواب عنه، وحجة لا اعتراض] عليها. قاله الإمام الحافظ أبو الخطاب [ابن دحية رضي الله عنه]".

٢- قال ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب ج١ ص٢١٢): (وكان عددُ أصحاب عليٍّ مائةً وعشرين، أو ثلاثين ألفاً، وأهلُ الشام مائةَ ألف وخمسةً وثلاثين ألفاً، وكان في جانب عليٍّ جماعة من البدريِّين وأهلِ بيعة الرِّضْوان، وراياتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإِجماع منعقد على إمامته وبغي الطائفة الأخرى، ولا يجوز تكفيرُهم كسائر البُغاة، واستدل أهل السُّنَّةِ والجماعة على ترجيح جانب عليٍّ بدلائل، أظهرُها وأثبتُها قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: "تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ" وهو حديث ثابت. ولما بلغ معاويةَ ذلك قال: إنما قتله من أخرجه، فقال عليٌّ: إذاً قَتَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حمزة لأنه أخرجه، وهو إلزام لا جواب عنه، وحجةٌ لا اعتراض عليها، وكان شبهة معاوية ومن معه، الطلب بدم عثمان، وكان الواجب عليهم شرعاً الدخول في البيعة، ثم الطلب من وجوهه الشرعية..).

٣- قال المناوي في (فيض القدير ج٦ ص٤٧٤): (قال القرطبي: وهذا الحديث من أثبت الأحاديث وأصحها ولما لم يقدر معاوية على إنكاره قال إنما قتله من أخرجه فأجابه علي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه. قال ابن دحية وهذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها).

وذكر ابن قيِّم الجوزية كلام معاوية وجواب علي بن أبي طالب دون التصريح باسم معاوية.
قال ابن قيِّم الجوزية في (الصواعق المرسلة ج١ ص٢٩-٣٠، ط. دار عالم الفوائد): (نعم، التأويل الباطل تأويل أهل الشام قوله "صلى الله عليه وسلم" لعمّار: "تقتلك الفئة الباغية" فقالوا: نحن لم نقتله، إنما قتله من جاء به حتى أوقعه بين رماحنا. فهذا هو التأويل الباطل المخالف لحقيقة اللفظ وظاهره، فإن الذي قتله هو الذي باشر قتله لا من استنصر به. ولهذا رد عليهم من هو أولى بالحق والحقيقة منهم فقالوا: فيكون رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأصحابه هم الذين قتلوا حمزة والشهداء معه، لأنهم أتوا بهم حتى أوقعوهم تحت سيوف المشركين).

ابن عبّاس: ترك معاويةُ السنّةَ بغضاً بعليّ بن أبي طالب

بسم الله الرحمن الرحيم ابن عبّاس: ترك معاويةُ السنّةَ بغضاً بعليّ بن أبي طالب