بسم الله الرحمن الرحيم
الازدواجيّة عند الحافظ الذهبيّ: حديث «لا يحبّك إلا مؤمنٌ..» أنموذجاً
مما لا شكّ فيه أنّ التعصُّب المذهبيّ يجرُّ المرء إلى التشكيك في الحقائق الثابتة ما دام أنّها تخالف أهواءهُ المذهبيّة، وفي الوقت نفسه يُجبره على قبول الأكاذيب الواهية ما دام أنّها تتماشى مع تلك الأهواء السقيمة، وهذا ما ظهرَ من بعض عُلماء أهل السنة عند تعاملهم مع فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (عليه السلام) وفضائل غيره من الصحابة، فإذا كانت لعليّ (عليه السلام) فضيلةٌ جليّةٌ حاول بعضهم أن يجد مخرجاً منها ويبخّس من قيمتها، وإذا كانت الفضيلةُ عينها منسوبةً إلى غيره - ولو بطرقٍ واهيةٍ - قَبِلها ومرّ عليها مرور الكرام بل واعتقد بمضمونها، وقد أشارَ ابن قتيبة الدينوريّ إلى هذا النوع من السلوك في أوساط أهل الحديث عند تعاملهم مع فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذكرنا ذلك في موضوع سابقٍ (اضغط هنا).
ومن النماذج العمليّة لهذه الحالة المشهودة ما قام به الحافظ الذهبي عند تعليقه على حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنه لا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق» حيث قال: (وقد جمعتُ طرقَ حديث الطير في جزء، وطرق حديث «من كنت مولاه» وهو أصح، وأصحُّ منها ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنه لعهد النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - إليّ: «إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق»، وهذا أشكل الثلاثة فقد أحبَّهُ قومٌ لا خلاق لهم، وأبغضه بجهلٍ قومٌ من النواصب، فالله أعلم)، [سير أعلام النبلاء، ج17، ص169].
وعندما جاء إلى حديثٍ مثله مرويّ في حقّ أبي بكر قال: (أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا الحسن بن صباح، أخبرنا ابن رفاعة، أخبرنا الخلعي، أخبرنا أبو محمد ابن النحاس، حدثنا محمد بن جعفر بن دران، حدثنا الحسن بن الطيب، حدثنا قتيبة، حدثنا معلى بن هلال، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعاً: «لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق»، مُعَلّى تُرِكَ، ومتن الحديث حقٌّ لكنّه ما صحَّ مرفوعاً)، [انظر: سير أعلام النبلاء، ج16، ص216].
فتراه يستشكل على الحديث الصحيح الثّابت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويصحّحُ مضمون حديثٍ لم يثبت من طريقٍ معتبرٍ عنه، وليس هذا إلّا لأنّ نفوسهم تأبى تحمّل فضائل عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه كما هي، ولا تهدأ إلا إنْ نَحَلُوا تلك الفضائل لغيره ولو بالطرق الواهية والأسانيد التالفة.
كلام الذهبي واستشكاله على الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
قبول الذهبيّ لفضيلةٍ لم تثبت في حديث صحيح أو حسن