الجمعة، 7 مارس 2025

معنى الدّعوة إلى النّار في حديث: "تقتله الفئة الباغية"

بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الدّعوة إلى النّار في حديث: "تقتله الفئة الباغية".

ورد في الحديث النبويّ في وصف الفئة الباغية التي تقتل عمّار بن ياسر أنّها (تدعو إلى النّار)، وهذا التّعبير قرآني الأصل، فما الذي قاله المفسّرون في بيانه؟ وما هي صفات الفئة التي يُطلق عليها هذا الوصف؟ ومن خلال تتبّع كلمات العلماء في تفسير أوصاف الدّعاة إلى النّار نعرف حقيقة معاوية بن أبي سفيان إمام هذه الفئة وأتباعه.

أوّلاً: كلمات المفسِّرين.

١- قال الطبري في تفسيره (ج١٨، ص٢٥٧-٢٥٨):
(يقولُ تعالى ذكرُه: وجعَلنا فرعونَ وقومَه أئمةً يأتمُّ بهم أهلُ العُتُوِّ على اللهِ والكفرِ به، يَدْعون الناسَ إلى أعمالِ أهلِ النارِ، (ويوم القيامة لا يُنصَرون). يقولُ جلَّ ثناؤه: ويومَ القيامةِ لا يَنْصُرُهم من اللهِ إذا عذَّبهم ناصرٌ، وقد كانوا في الدنيا يَتَناصرون، فاضمَحَلَّت تلك النُّصْرةُ يومَئذٍ.
وقولُه: (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة). يقولُ تعالى ذكرُه: وألزَمْنا فرعونَ وقومَه في هذه الدنيا خِزياً وغضباً منا عليهم، فحَتَّمْنا لهم فيها بالهلاكِ والبَوارِ والثناءِ السَّيِّئ، ونحن مُتْبِعُوهم لعنةً أخرى يومَ القيامةِ، فمُخْزُوهم بها الخزيَ الدائمَ، ومُهِينوهم بها الهوانَ اللازمَ).

٢- قال مكي بن أبي طالب في (الهداية إلى بلوغ النهاية، ج٨، ص٥٥٣٦-٥٥٣٧):
(ثم قال تعالى: (وَجَعَلْناهُم أَئمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)، أي جعل الله فرعون وقومه أئمة للضلال، يأتم بهم أهل العتو على الله، يدعون الناس إلى الضلال الذي هو سبب الدخول إلى النار. (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرونَ). أي لا ينصرهم من عذاب الله أحد، وقد كانوا في الدنيا يتناصرون.
ثم قال تعالى: (وأَتْبَعْناهُمْ في هَذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً). أي ألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا حزناً وغضباً، وبعداً من الله (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم منَ المَقْبُوحِينَ)).

٣- قال البغوي في تفسيره (ج٣، ص٤٤٢):
((وجعلناهم أئمَّةً) قادة ورؤساء (يدعون إلى النار ويوم القيامة لا يُنصَرونَ) لا يمنعون من العذاب.
(وأتبعناهم في هذه الدُّنيا لعنةً) خزياً وعذاباً (ويوم القيامة هم من المقبوحين) من المبعدين الملعونين، وقال أبو عبيدة: من المهلكين، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون، يقال: قَبَحه الله، وقبَّحه: إذا جعله قبيحاً، ويقال: قبحه قبحاً، وقبوحاً: إذا أبعده من كل خير).

٤- قال ابن الجوزي في (زاد المسير، ج١٠، ص٣٤٨-٣٤٩):
(قوله تعالى: (وجعلناهم) أي: في الدنيا (أئمَّةً) أي: قادةً في الكفرِ يأتمُّ بهم العتاة، (يَدْعُونَ إلى النَّار) لأنَّ من أطاعهم دخلَها (لا يُنْصَرون) بمعنى: يُمْنَعون من العذاب. وما بعد هذا مفسرٌ في هود.
قوله: (من المقبوحين) أي: من المُبعَدين الملعونينَ.
قال أبو زيدٍ: يقال: قبَّح الله فلاناً، أي: أبعدَه من كلِّ خيرٍ.
وقال ابنُ جريجٍ: معنى الآية: وأتبعناهم في هذه الدُّنيا لعنة ويومَ القيامة لعنة أخرى، ثُمَّ استقبل الكلام، فقال: هم من المقبوحين).

٥- قال القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن، ج١٦، ص٢٨٤-٢٨٥):
((وجعلناهم أئمَّةً) أي: جعلناهم زعماء يتبعون على الكفر، فيكون عليهم وزرُهم ووِزرُ من اتَّبعهم حتى يكون عقابُهم أكثر. وقيل: جعل الله الملأ من قومه رؤساء السَّفَلة منهم، فهم يدعون إلى جهنم. وقيل: أئمةً يأتَمُّ بهم ذَوو العِبر ويتَّعظ بهم أهل البصائر. (يدعون إلى النَّار) أي: إلى عمل أهل النار (ويوم القيامة لا يُنصَرونَ). (وأتبعناهم في هذه الدُّنيا لعنةً) أي: أمرنا العبادَ بلعنِهم فمَنْ ذكرهم لعنَهم. وقيل: أي: ألزمناهم اللعنَ أي: البُعدَ عن الخير. (ويوم القيامة هم من المقبوحين) أي: من المُهلَكين الممقوتين".

٦- قال الآلوسي في (روح المعاني، ج٢٠، ص١٩٤، ط. مؤسسة الرسالة):
((وجعلناهم) أي: خلقناهم (أئمَّةً) قدوةً للضلال بسبب حملهم لهم على الضلال، كما يؤذن بذلك قولُه تعالى: (يدعون إلى النار) أي: إلى موجباتها من الكفر والمعاصي، على أنَّ النار مجازٌ عن ذلك، أو على تقدير مضافٍ، والمراد: جَعَلَهم ضالِّين مضلِّين).

٧- قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان ج١ ص١٦٥):
(ثم ذكر تعالى الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة لمن خالفهما في الدين فقال: (أولئك يدعون إلى النار)؛ أي: في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فمخالطتهم على خطر منهم، والخطر ليس من الأخطار الدنيوية إنما هو الشقاء الأبدي).
وقال في تفسيره (ج٣ ص١٢٨٢):
((وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النار)؛ أي: جعلنا فرعونَ وملأه من الأئمة الذين يُقتدى بهم، ويُمشى خلفهم إلى دار الخزي والشقاء. (ويوم القيامةِ لا يُنْصَرونَ): من عذاب الله؛ فهم أضعف شيء عن دفعه عن أنفسهم، وليس لهم من دون الله من وليٍّ ولا نصيرٍ).

٨- قال الشنقيطي في (أضواء البيان، ج٦، ص٧٤٥):
(وقد دلت هذه الآية الكريمة أن الهدى يستعمل في الإرشاد والدلالة على الشر، ونظير ذلك في القرآن قوله: (كُتِبَ عَلَيهِ أنَّهُ من تولَّاهُ فأنَّه يُضِلُّهُ ويَهديهِ إلى عذابِ السَّعير) ولذلك كان للشر أئمة يؤتم بهم فيه كقوله تعالى: (وجعلناهم أئمةً يدعون إلى النَّار)).

٩- جاء في (التفسير المُيَسَّر، ص٣٩٠، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف):
((٤١) وجعلنا فرعون وقومه قادة إلى النار، يَقتدي بهم أهل الكفر والفسق، ويوم القيامة لا ينصرون؛ وذلك بسبب كفرهم وتكذيبهم رسول ربهم وإصرارهم على ذلك".
(٤٢) وأتبعنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزياً وغضباً منا عليهم، ويوم القيامة هم من المستقذرة أفعالهم، المبعدين عن رحمة الله".

١٠- جاء في (المختصر في في التفسير ص٣٩٠):
((٤١) وجعلناهم قدوة للطغاة والضُلَّال يدعون إلى النار بما يبثونه من كفر وضلال، ويوم القيامة لا ينصرون بإنقاذهم من العذاب، بل يضاعف عليهم العذاب لما سنّوه من سنن سيئة، ودعوا إليه من ضلالة، يكتب عليهم وزر عملهم بها، ووزر عمل من اتبعهم في العمل بها.
(٤٢) وأتبعناهم زيادة على عقوبتهم في هذه الدنيا خزياً وطرداً، ويوم القيامة هم من المُبْعَدين عن رحمة الله المُبْغَضين منه ومن عباده المؤمنين).

ثانياً: كلمات بعض علماء السلفية في معنى الدعوة إلى النار.

١- قال ابن قيِّم الجوزية في (طريق الهجرتين، ج١، ص١٤٣، طبعة دار عالم الفوائد):
(وقال تعالى: (وجعلناهم أئمَّةً يهدون بأمرنا) [الأنبياء/ ٧٣]، وقال: (وجعلناهم أئمَّةً يدعون إلى النَّار) [القصص/ ٤١]، وقال: (واجعلنا للمتقين إماماً) [الفرقان/ ٧٤]، أي أئمة يُهْتدى بنا، ولا تجعلنا أئمة ضالِّين يَدعُون إلى النار).

٢- قال محمد بن عبد الوهاب (الدرر السَّنِيَّة، ج١٣، ص٣٥١):
(وقوله: (واستكبر هو وجنوده في الأرض) وصفهم بأن فيهم المهلك، وأنهم عدموا المنجى، ولذلك أخذهم بما ذكر؛ الثانية: أمر المؤمن بالنظر في عاقبتهم؛ الثالثة: أنه أتى بلفظ الظالمين، ليبين أن ذلك ليس مختصاً بهم.
وقوله: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) [القصص: ٤١] هذا الجعل القدري؛ وأما قوله: (ما جعل الله من بحيرة) [المائدة: ١٠٣] وأمثاله فهذا الجعل الشرعي؛ الثانية: أن معرفة هذا يوجب الحرص على النظر في الأئمة، إذا كان منهم من جعله الله يدعو إلى النار، ومنهم من قال فيه: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) [الأنبياء: ٧٣] الثالثة: ذكر ما لهم في القيامة؛ الرابعة: ما أبقى لهم على ألسنة الناس في الدنيا؛ الخامسة مآلهم في الآخرة".

٣- قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ج١٣، ص٩٨، رقم٤٤٤٣):
(وكما كان في آل فرعون أئمة يدعون إلى النار فكذلك في هذه الأمة أئمة يدعون إلى النار، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكر فيه الفتن "أنه يَبْقَى دُعَاةٌ علَى أبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أجَابَهُمْ قَذَفُوهُ فِيْهَا").

٤- جاء في (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ج٢٦، ص٣٠٢، سؤال ١٢٤): (سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله-: عما يحصل من البعض من الوقوع في أعراض العلماء الربانيين، والقدح فيهم، وغيبتهم؟
فأجاب بقوله: لا شك أن الوقوع في أعراض أهل العلم المعروفين بالنصح، ونشر العلم والدعوة إلى الله تعالى من أعظم أنواع الغيبة التي هي من كبائر الذنوب.
والوقيعة في أهل العلم أمثال هؤلاء ليست كالوقيعة في غيرهم؛ لأن الوقيعة فيهم تستلزم كراهتهم، وكراهة ما يحملونه، وينشرونه من شرع الله -عزّ وجلّ- فيكون في التنفير عنهم تنفير عن شرع الله -عزّ وجلّ- وفي هذا الصدِّ عن سبيل الله ما يتحمل به الإنسان إثماً عظيماً وجرماً كبيراً، ثم إنه يلزم من إعراض الناس عن أمثال هؤلاء العلماء، أن يلتفتوا إلى قوم جهلاء يضلون الناس بغير علم؛ لأن الناس لابد لهم من أئمة يأتمون بهم ويهتدون بهديهم، فإما أن يكونوا أئمة يهدون بأمر الله، وأما أن يكونوا أئمة يدعون إلى النار، فإذا انصرف الناس عن أحد الجنسين مالوا إلى الجنس الآخر).
وقال أيضاً (مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ج٩، ص٤٧٦-٤٧٧):
(والأئمَّة جمع إمام، والإمام قد يكون إماماً في الخير أو الشر، قال تعالى في أئمة الخير: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) [السجدة، ٢٤].
وقال تعالى عن آل فرعون أئمة: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا يُنصرُون) [القصص: ٤١]، والذي في حديث الباب: "الأئمة المُضلين"، أئمة الشر، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم، إنَّ أعظم ما يُخاف على الأمة الأئمة المُضلون؛ كرؤساء الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين تفرَّقت الأمة بسببهم.
والمراد بقوله: "الأئمة المُضلين": الذين يقودون الناس باسم الشرع، والذين يأخذون الناس بالقهر والسلطان؛ فيشمل الحكام الفاسدين، والعلماء المُضلين، الذين يدّعون أنَّ ما هم عليه شرع الله، وهم أشدّ الناس عداوةً له).

٥- قال الشيخ عبد العزيز بن باز (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ج٣، ص٤٦):
(والمسلمون مأمورون بالدعوة إلى دينهم والذب عنه ومعذورون في بيان بطلان جميع الأديان من يهودية ونصرانية وغيرهما ما عدا الإسلام؛ لأنهم بذلك يدعون إلى الحق والجنة وغيرهم من الناس يدعو إلى النار، كما قال الله سبحانه لما نهى عن نكاح المشركات وعن تزويج المشركين للمسلمات، قال: (أولئكَ يدعون إلى النَّارِ واللهُ يدعو إلى الجَنَّةِ والمغفرةِ بإذنه) فالله سبحانه يدعو إلى الجنة والمغفرة وإلى أعمالها، وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا المسلمون العارفون بدينه والداعون إليه على بصيرة، أما غيرهم من الكفار فإنهم يدعون إلى النار في كتبهم ونشراتهم ووسائل إعلامهم.
وبهذا يعلم أنه لا يجوز إطلاق القول بأن الإسلام والمسيحية ديانتان منزلتان؛ لأن المسيحية لم تبقَ ديانة منزلة بل قد غيرت وحرفت ثم نسخ ما بقي فيها من حق بما بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق).

ابن عبّاس: ترك معاويةُ السنّةَ بغضاً بعليّ بن أبي طالب

بسم الله الرحمن الرحيم ابن عبّاس: ترك معاويةُ السنّةَ بغضاً بعليّ بن أبي طالب