السبت، 23 أكتوبر 2021

كشف التحريفات (٣٧): تحريف رواية بيع معاوية للأصنام

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٣٧): تحريف رواية بيع معاوية للأصنام

روى البلاذريّ في (أنساب الأشراف): (وحدثنا يوسف وإسحاق، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: كنت مع مسروق بالسلسلة فمرت به سفائن فيها أصنام من صفر تماثيل الرجال، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها معاوية إلى أرض السند والهند تباع له. فقال مسروق: لو أعلم أنهم يقتلونني لغرَّقتُها، ولكني أخاف أن يعذبوني ثم يفتنوني، والله ما أدري أي الرجلين معاوية، أرَجُلٌ قد يئس من الآخرة فهو يتمتع من الدنيا أم رَجُلٌ زين له سوء عمله)، انظر: أنساب الأشراف (القسم الرابع – الجزء الأوّل)، ص129-130، رقم الحديث 377.
وروى الطبريّ في (تهذيب الآثار): (وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: كنت مع مسروق بالسلسلة، فمرت عليه سفينة فيها أصنام ذهب وفضة، بعث بها معاوية إلى الهند تباع، فقال مسروق: «لو أعلم أنهم يقتلوني لغرَّقتُها، ولكني أخشى الفتنة»)، انظر: تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب)، ص241، رقم الحديث 382.
وهاتان الروايتان تشيران إلى قيام معاوية بالعمل في تجارة الأصنام والمشاركة فيها، وهذا الأمر الذي أنكره عليه بعض التابعين كالتابعيّ مسروق بن الأجدع.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة هذه الرواية في مصنّفه، ولكن حُذِفَ منها ما يشير إلى معاويّة، قال: (حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، قال: مر عليه وهو بالسلسلة بتماثيل من صفر تُباع، فقال مسروق: «لو أعلم أنه يَنفُقُ لضربتها، ولكني أخاف أن يعذبني فيفتنّي، والله ما أدري أي الرجلين: رجل قد زُيِّن له سوء عمله، أو رجل قد أيس من آخرته فهو يتمتع من الدنيا)، انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ج11، ص397، رقم الحديث 22684.
والغرضُ من هذا الإبهام - كما هو واضح - التستر على اشتراك معاوية في ترويج الأصنام التي تُباع ليُعبد غيرُ الله بها، وإخفاء أعماله التي تنافي مبادئ الإسلام.

السبت، 9 أكتوبر 2021

نهي أبي بكر وعمر عن متعة الحجّ

بسم الله الرحمن الرحيم
نهي أبي بكر وعمر عن متعة الحجّ

روى أحمد بن حنبل في مسنده: (حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عروة لابن عباس: حتى متى تضل الناس يا ابن عباس؟ قال: ما ذاك يا عُرَيَّة؟ قال: تأمرنا بالعمرة في أشهر الحجّ، وقد نهى أبو بكر وعمر فقال ابن عباس: قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عروة: هما كانا أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلم به منك).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (ج4، ص132-133، رقم الحديث2277): (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
قال المحقق أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (ج3، ص45-46، رقم الحديث 2277): (إسناده صحيح).

وروى الحافظ المقدسي في كتابه (الأحاديث المختارة، ج10، ص331، رقم الحديث 357): (أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد أن هبة الله أخبرهم أبنا الحسن ابنا أحمد، ثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا حجاج، ثنا شريك، عن الأعمش، عن الفضيل بن عمرو، قال: أراه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس: ما يقول عُرَيَّة؟ قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول نهى أبو بكر وعمر).
قال المحقق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش: (إسناده حسن).

وروى الخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه، ص292، رقم الحديث 380): (أنا أبو الحسن، علي بن يحيى بن جعفر الأصبهاني، أنا عبد الله بن الحسن بن بندار المديني، نا أحمد بن مهدي، نا أبو الربيع الزهراني، نا حماد يعني ابن زيد، نا أيوب، عن ابن أبي مليكة أن عروة بن الزبير قال لابن عباس: أضللت الناس! قال: «وما ذاك يا عرية؟» قال: تأمر بالعمرة في هؤلاء العشر، وليست فيهن عمرة! فقال: «أولا تسأل أمك عن ذلك؟» فقال عروة: فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك. فقال ابن عباس: «هذا الذي أهلككم – والله – ما أرى إلا سيعذبكم، إني أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتجيئوني بأبي بكر وعمر» فقال: عروة: هما والله كانا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتبع لها منك.
قلت -الخطيب البغدادي- : قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما به عروة، إلا أنه لا ينبغي أن يُقَلَّدَ أحدٌ في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال المحقق عادل بن يوسف العزازي: (إسناده صحيح).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، المجلد 7، ص 96، رقم الحديث 1287): (قال إسحاق، أنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عروة لابن عباس: ويحك أضللت؟! تأمرنا بالعمرة في العشر وليس فيهن عمرة! فقال: يا عري، فسَلْ أمك! قال: إن أبا بكر وعمر لم يقولا ذلك، وكانا أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع لها منك. فقال: «من ههنا ترمون نجيئكم برسول الله صلى الله عليه وسلم وتجيئون بأبي بكر وعمر». سنده صحيح).

يُستفاد من هذه الرّواية:
1. أنّ النهي عن سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في متعة الحجّ كان منذ زمن أبي بكر واستمرّ في زمن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان، أيّ أنّه تمّ المنع من هذا التشريع الإسلاميّ لمدة تقارب 35 عاماً، وقد رفض هذا المنع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، ومن هنا تعرف السّبب في رفضه لشرط العمل بسيرة الشيخين والذي اشترط عليه بعد مقتل عمر وصيرورة الشورى في ستّة، فصارت الخلافة إلى عثمان بسبب قبوله لذلك الشرط، ولذلك استمرّ على النهي عن متعة الحجّ.
2. تحريف الشريعة في أذهان التابعين، فهذا عروة بن الزبير بن العوّام يرى المنع عن متعة الحجّ بذريعة نهي أبي بكر وعمر عنها، ويرى مخالفتهما «ضلالاً».
3. تقديم كلام أبي بكر وعمر على نصّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عند بعض التابعين، وهذا انحرافٌ كبيرٌ أسّسه أولئك الخلفاء.

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

نهي عثمان بن عفان عن متعة الحجّ

بسم الله الرحمن الرحيم
نهي عثمان بن عفان عن متعة الحجّ

دلّت الآثار الصحيحة عند الفريقين أنّ بعض الصّحابة قاموا بالعبث بشريعة سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله) وفقاً لآرائهم واستحساناتهم، وقد جرى بعض الخلفاء على هذه السّيرة فغيّروا جملةً من الأحكام الشرعيّة، وهذا من الابتداع المنهيّ عنه؛ فإنّ كل بدعة في النّار.
ومن البدع التي ابتدعها الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب نهيُه عن متعة الحجّ، وقد فصّلنا ذلك [هنا]، وقد تابعه على هذه البدعة الخليفة الثالث عثمان بن عفّان مساهماً في تحريف الشريعة برأيه واستحسانه كما دلّ على ذلك بعضُ الروايات الصحيحة عند أهل السنّة، وممّا ينبغي لفت النظر إليه في هذه الرّوايات: أنّ الذي أصرَّ على مخالفة عثمان في هذه البدعة واتّباع سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام):

1. روى البخاري في صحيحه: (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن علي بن حسين، عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عثمان وعليّاً رضي الله عنهما وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى عليٌّ أهلَّ بهما: لبيك بعمرة وحجة. قال: «ما كنت لأدع سُنّةَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلم لقول أحدٍ»).
انظر: صحيح البخاري، ج2، ص24، رقم الحديث 1563.

2. روى البخاري في صحيحه: (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حجاج بن محمد الأعور، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: اختلف عليٌّ وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال عليٌّ: «ما تريد إلا أن تنهى عن أمرٍ فعله النبي صلى الله عليه وسلم»، فلما رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما جميعاً).
انظر: صحيح البخاري، ج2، ص26، رقم الحديث 1569.

3. روى مسلم في صحيحه: ( وحدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع عليٌّ وعثمان رضي الله عنهما بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال عليٌّ: «ما تريد إلى أمرٍ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟» فقال عثمان: دعنا منك. فقال: إنِّي لا أستطيع أن أدعك. فلما أن رأى عليٌّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً).
انظر: صحيح مسلم، ج3، ص474، رقم الحديث 1236-1237/ 2.

4. روى أحمد بن حنبل في مسنده: (حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن مسلم البطين، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال: كنَّا نسير مع عثمان، فإذا رجلٌ يلبي بهما جميعاً، فقال: عثمان: من هذا؟ فقالوا: عليٌّ. فقال: ألم تعلم أني قد نهيت عن هذا؟ قال: بلى، ولكن لم أكنْ لأدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك).
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط البخاريّ).
انظر: مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص136-137، رقم الحديث 733.

5. روى أحمد في مسنده: (حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم أنه قال: شهدتُ عليّاً وعثمان بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يُجمع بينهما، فلمّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما، فقال: لبيك بعمرة وحج معاً. فقال عثمان: تراني أنهى الناس عنه وأنت تفعله؟ قال: لم أكنْ أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحدٍ من الناس).
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط البخاريّ).
انظر: مسند احمد بن حنبل، ج2، ص353، رقم الحديث 1139.


الأحد، 3 أكتوبر 2021

نهي عمر بن الخطّاب عن متعة الحجّ

بسم الله الرحمن الرحيم
نهي عمر بن الخطّاب عن متعة الحجّ

دلّت الآثار الصحيحة عند الفريقين أنّ بعض الصّحابة قاموا بالعبث بشريعة سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله) وفقاً لآرائهم واستحساناتهم، وقد جرى بعض الخلفاء على هذه السّيرة فغيّروا جملةً من الأحكام الشرعيّة، وهذا من الابتداع المنهيّ عنه؛ فإنّ كل بدعة في النّار.
ومن البدع التي ابتدعها الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب نهيُه عن متعة الحجّ كما ثبت ذلك في الصّحيحين وغيرهما، وإليك بعض هذه الدلائل:

1- حديث عبد الله بن عبّاس.
روى النسائي في سننه عن ابن عباس: (سمعت عمر، يقول: «والله إني لأنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم» يعني العمرة في الحج).
قال الشيخ الألبانيّ: (صحيح الإسناد)، انظر: صحيح سنن النسائي، ج2، ص268، رقم الحديث 2735.
وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعيّ بعد أن نقله عن النسائي: (الحديث صحيح، رجاله رجال الصحيح، إلا محمد بن علي شيخ النسائي وهو ثقة)، انظر: الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، ج2، ص390-391، رقم الحديث 1349.
وقال الحافظ ابن كثير الدمشقيّ فيه: (إسناد جيّد)، انظر: البداية والنهاية، ج7، ص459-460.

2- حديث عمر بن الخطّاب.
روى مسلم في صحيحه بإسناده عن عن إبراهيم بن أبي موسى، عن أبي موسى، أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسُك بعدُ، حتى لقيه بعد فسأله، فقال عمر: «قد علمتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا مُعَرِّسين بهنَّ في الأراك، ثم يروحون في الحجِّ تقطر رؤوسهم».
انظر: صحيح مسلم، ج3، ص473، رقم الحديث 1235 (ط. دار التأصيل).
قلت: وهذا يدلّ على أنّ هذا الابتداع منشؤه الاستحسان والهوى، وإلّا فإنّ الدين ليس تابعاً لكراهةٍ أحدٍ أو ذوقه ورأيه. 

3- حديث عمران بن حصين.
روى البخاريّ في صحيحه بإسناده عن عمران بن حصين أنّه قال: «أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجلٌ برأيه ما شاء».
انظر: صحيح البخاري، ج3، ص475، رقم الحديث 4518 (ط. الرسالة).
وروى مسلم في صحيحه عن مطرف، قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه، فقال: «إني كنت محدثك بأحاديث، لعل الله أن ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم عني، وإن مت فحدث بها إن شئت، إنه قد سُلِّمَ عليَّ، واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب الله، ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل فيها برأيه ما شاء».
انظر: صحيح مسلم، ج3، ص477، رقم الحديث 1240/4.
ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط الشيخين)، انظر: مسند أحمد بن حنبل، ج33، ص77، رقم الحديث 19841.
وروى مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين أيضاً، قال: «نزلت آية المتعة، في كتاب الله - يعني متعة الحج - وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، قال رجل برأيه بعدُ ما شاء».
انظر: صحيح مسلم، ج3، ص478، رقم الحديث 1240/8.

فهرس مواضيع المدوَّنة

بسم الله الرحمن الرحيم فهرس مواضيع المدوَّنة (تعريفٌ موجَزٌ) تهتمُّ هذه المدوَّنةُ بنشرِ الحقائق العلميّة الموثَّقة في القضايا ا...