الخميس، 25 فبراير 2016

كشف التحريفات (٣١): تحريفٌ رابع لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٣١): تحريفٌ رابع لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر

روى الحافظُ أبو بكر المروزي في كتابه (مسند أبي بكر الصديق، ص٣٢-٣٥، رقم الحديث ٢) عن عبد الرزاق الصنعانيّ الروايةَ التي ذكرناها في المورد (٢٩) فيما يخص موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر، وكانت روايته عن عبد الرزاق بواسطة واحدة، وإسناده كالتالي: (حدثنا أبو بكر بن زنجويه، حدثنا عبد الرزاق،..) إلى نهاية إسناده كما هو في رواية عبد الرزاق في مصنّفه التي تقدّم ذكرها، وقد حُذِفَتْ عِبارة (ظالمٌ فاجرٌ) في كلا الموردين بالرواية في مُسند المروزيّ.

وفي سبيل التثبّت من تاريخ التحريف وجهته، هل هو مُحدَثٌ من المحقق أم قديمٌ من المؤلف أو ناسخ الأصل، راجعتُ النسخةَ الخطيّة التي اعتمد عليها المحقق شعيبُ الأرناؤوط*، وبعد ملاحظة الموضع – محل البحث – تبيّن أن اللفظ غير مُثبَتٍ في النسخة الخطيّة، فيكون الحذف مردَّداً بين مؤلِّف الكتاب أو ناسخه، إلا أنّ هذا لا يرفع المؤاخذة عن محقق الكتاب شعيب الأرناؤوط، حيث إنّه مُلتَفِتٌ إلى وجودِ حَذْفٍ اختلّت بسببه العبارة، وهو قد أشار في الهامش إلى مكان الرواية في مصنف عبد الرزاق وبيَّنَ بعض الفروق بين الروايتين، ومع ذلك اكتفى بوضع ثلاث نقاط، ولم يُشر إلى الكلمتين المحذوفتين، مع أنّه قام باستدراك ومقارنة بعض الألفاظ من مصادر أخرى خلال تحقيق بعض الأحاديث في المسند، حيثُ استدرك تلك الكلمات بالاستفادة من مراجعة الرواية في مصادرها الأخرى، ويمكن للقارئ أن يُلاحظ الصفحات ٤٩-٥٥-٦٧-٩٧-٩٨ من الكتاب المحقَّق ليعاين استدراكه لبعض الألفاظ ومقارنتها بالمصادر الأخرى مثل مسند أحمد بن حنبل ومستخرج أبي عوانة وغيرهما، ولكنه في هذه الرواية اكتفى بالتنقيط وتجاهل الأمر!

------------------
* قال المحقق شعيب الأرناؤوط في وصف النسخة (ص٦): (إنَّ الأصل الخطيَّ الذي تمَّ نشر الكتاب عنه يُعتبر من أنفس المخطوطات العربية صحّة ووثوقاً وضبطاً، رواه عن المؤلف كما جاء في الورقة الأولى منه أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الناصح بن شجاع ابن المفسر الدمشقي الفقيه الشافعي المتوفى بمصر في رجب سنة ٣٦٥ هـ أخبر به عنه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن محمد بن علي مسند الديار المصريّة المتوفى سنة ٤٤٣ هـ، وهذا سندٌ صحيح متصل، وقد سمعه عن أبي القاسم هذا غيرُ واحدٍ من الأعلام الثقات كما هو مثبت في السماعات.
وهو من محفوظات المكتبة الظاهريّة العامرة بدمشق الشام ضمن مجموع (٥٦) ق (٦٢-١٠٦)، وعدد أوراقه أربع وأربعون ورقة، مقاس ٢٠.٥× ١٤ في كل صفحة ستة عشر سطراً، كُتب بخطٍّ معتاد، يكاد يخلو من نقط الحروف المعجمة، بحيث لا يتمكن من قراءته إلا من له تمرُّسٌ ودربة بالخطوط القديمة).
قلتُ: والمخطوط في زماننا الحاضر قد نُقِلَ من المكتبة الظاهريّة إلى المكتبة المعروفة باسم (مكتبة الأسد الوطنيّة) في مدينة دمشق حيثُ نُقلِتْ مخطوطات المكتبة الظاهرية إلى هُناك. وسأعرضُ بداية النسخة الخطية، حيثُ أُثبت سندُها، وقد عرضهما الأرناؤوط في بداية تحقيقه للكتاب، ومن ثمَّ أعرضُ موضع الرواية في النسخة الخطية مع الإشارة إلى موضع الحذف هناك.

الرواية في مصنّف عبد الرزاق الصنعاني (قبل التحريف)

الرواية في مسند أبي بكر الصديق للمروزي (بعد التحريف)

الوجه الأول من الورقة الأولى من الأصل وفيه العنوان وبعض السّماعات

الوجه الثاني من الورقة الأولى، وبحاشيتها سماع

بداية الرواية في مخطوط مسند المروزي من عند الإشارة بالسهم

عبارة (وأنتما تزعمان أنه فيها والله يعلم) في السطر (١٤) من الصفحة

عبارة (وأنتما تزعمان أني فيها والله يعلم ..) في بداية الصفحة مشارٌ إليها بالأسهم

السبت، 20 فبراير 2016

كشف التحريفات (٣٠): تحريف ثالث لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٣٠): تحريف ثالث لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر

روى مسلم في صحيحه الرواية التي ذكرناها في المورد الثامن والعشرين (هنا)، والتي تُبيِّنُ موقفَ أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر، وفي الرواية يخاطبُ عمرُ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) والعبّاس عم النبي متحدثاً عن موقفِهما من أبي بكر: (فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً) وهذا يعني أنَّ موقف الإمام (عليه السلام) من أبي بكر كان بهذا النحو، أنّه كان يراهُ آثماً غادراً خائناً، وفي بقيّة الرواية يصف عمر بن الخطاب موقفهما منه أيضاً، فيقول: (ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً).
ولكنَّ الرواية جاءت في مسند أبي يعلى الموصلي محرَّفة، قد حُذِفَ فيها هذا الكلام بهذه الصورة «فرأيتماني ..» مع حذف الكلمات الثلاث: «آثماً، غادراً، خائناً»، وهذا يبيّن مدى الحرص والإصرار على تحريف المواقف التاريخيّة التي اتّخذها أهل البيت (عليهم السلام) تجاه بعض الصحابة.

 الرواية في صحيح مسلم (قبل التحريف)

الرواية في مسند أبي يعلى الموصلي (بعد التحريف)

الاثنين، 15 فبراير 2016

كشف التحريفات (٢٩): تحريف ثانٍ لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٢٩): تحريف ثانٍ لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر

روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه رواية تشير إلى موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من أبي بكر وعمر، قال في مصنفه (ج٥، ص١٠٤-١٠٥، رقم الحديث ١٠٥٣٢، الناشر: دار التأصيل): (عن معمر عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: أرسل إليَّ عمر بن الخطاب أنه قد حضر المدينة أهل أبيات من قومك، وإنا قد أمرنا لهم برضح فاقسمه بينهم قلت: يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري قال: اقبضه أيها المرء. قال: فبينا أنا كذلك جاءه مولاه فقال: هذا عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام. قال: ولا أدري أذكر طلحة أم لا؟ - يستأذنون عليك قال: ائذن لهم قال: ثم مكث ساعة، ثم جاء فقال: هذا العباس وعلي يستأذنان عليك قال: ائذن لهما قال: ثم مكث ساعة قال: فلما دخل العباس قال: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا - وهما يومئذ يختصمان فيما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير - فقال القوم: اقض بينهما يا أمير المؤمنين، وأرح كل واحد منهما من صاحبه، فقد طالت خصومتهما، فقال عمر: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السموات والأرض، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة؟» قال: قالوا: قد قال ذلك، ثم قال لهما مثل ذلك فقالا: نعم قال لهم: فإني سأخبركم عن هذا الفيء: إن الله تبارك وتعالى، خص نبيه صلى الله عليه وسلم منه بشيء، لم يعطه غيره فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد قسم والله بينكم وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان ينفق على أهله منه سنة - قال: وربما قال: ويحبس قوت أهله منه سنة - ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، أعمل فيه بما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. ثم أقبل على علي والعباس فقال: وأنتما تزعمان أنه فيها ظالم فاجر والله يعلم أنه فيها صادق بار تابع للحق، ثم وليتها بعد أبي بكر سنتين من إمارتي، فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنتما تزعمان أني فيها ظالم فاجر، والله يعلم أني فيها صادق بار تابع للحق، ثم جئتماني، جاءني هذا - يعني العباس - يسألني ميراثه من ابن أخيه، وجاءني  هذا - يعني علياً - يسألني ميراث امرأته من أبيها فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» ثم بدا لي أن أدفعها إليكما، فأخذت عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وأنا ما وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا على ذلك، أتريدان منا قضاء غير هذا؟ والذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي بينكما بقضاء غير هذا، إن كنتما عجزتما عنها فادفعاها إلي. قال: فغلبه علي عليها، فكانت بيد علي، ثم بيد حسن، ثم بيد حسين، ثم بيد علي بن حسين، ثم بيد حسن بن حسن، ثم بيد زيد بن حسن قال معمر: ثم بيد عبد الله بن حسن، ثم أخذها هؤلاء - يعني بني العباس -).

وروى أحمدُ بن حنبل هذه الرواية عن عبد الرزَّاق في مسنده (ج١، ص٤٨٢-٤٨٣، رقم الحديث ٤٢٥، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة): (حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب، فبينما أنا كذلك، إذ جاءه مولاه يرفأ، فقال: هذا عثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير بن العوام - قال: ولا أدري أذكر طلحة أم لا - يستأذنون عليك. قال: ائذن لهم. ثم مكث ساعة ثم جاء، فقال: هذا العباس وعلي يستأذنان عليك. قال: ائذن لهما. فلما دخل العباس، قال: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا. وهما حينئذ يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير، فقال القوم: اقض بينهما يا أمير المؤمنين، وأرح كل واحد من صاحبه، فقد طالت خصومتهما. فقال عمر: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:لا نورث، ما تركنا صدقة؟ قالوا: قد قال ذلك. وقال لهما مثل ذلك، فقالا: نعم.
قال: فإني سأخبركم عن هذا الفيء، إن الله عز وجل خص نبيه صلى الله عليه وسلم منه بشيء لم يعطه غيره، فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، والله ما احتازها دونكم، ولا استأثرها عليكم، لقد قسمها بينكم وبثها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، فكان ينفق على أهله منه سنة، ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، أعمل فيها بما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها).
وبهذا يظهرُ أنّ الرواية قد حُذِفَ منها ذلك المقطع الذي يشيرُ فيه الخليفة الثاني إلى موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) منه ومن أبي بكر.

الرواية في مصنف عبد الرزاق (قبل التحريف)

الرواية في مسند أحمد بن حنبل (بعد التحريف)
 
 

السبت، 13 فبراير 2016

كشف التحريفات (٢٨): تحريف موقف أمير المؤمنين من أبي بكر وعمر

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٢٨): تحريف موقف أمير المؤمنين من أبي بكر وعمر

روى مسلم في صحيحه (ج٥، ص٣٦-٣٩، رقم الحديث ١٨٠٥، الناشر: دار التأصيل): (وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، قال: حدثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أن مالك بن أوسٍ حدثه، قال: أرسل إليّ عمر بن الخطاب، فجئته حين تعالى النهار، قال: فوجدته في بيته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله، متكئاً على وسادة من أدم، فقال لي: يا مالُ، إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وقد أمرت فيهم برضخ، فخذه فاقسمه بينهم. قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري. قال: خذ يا مال. قال: فجاء يرفا، فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر: نعم. فأذن لهم فدخلوا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي؟ قال: نعم. فأذن لهما، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقضِ بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهم وأرحهم. فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك، فقال عمر: اتئدا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورِّث، ما تركنا صدقة»؟، قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي، فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا نورِّث، ما تركناه صدقة»؟ قالا: نعم. فقال عمر: إن الله جل وعز كان خصَّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة، لم يخصص بها أحداً غيره، قال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} -ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا - قال: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير، فوالله ما استأثر عليكم، ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي إِسوة المال، ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم، ثم نشد عباساً وعلياً بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم. قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نورث ما تركناه صدقة»، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق، فوليتها ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميعٌ، وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا. فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما، ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فرداها إلي).

وهذه الرواية تبيّن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أبي بكر وعمر، وأنّهما كانا في تصرُّفهما إزاء حقوق أهل البيت (عليهم السلام) كاذبيْن آثمين غادرين خائنين، وقد روى البخاري هذه الرواية في صحيحه إلّا أنّه تصرّف في هذه العبارة، فأبهم كلام عمر فيما يتعلّق بموقف الإمام عليّ (عليه السلام) من أبي بكر، وحذف ما يتعلّق بموقفه من عمر.

قال البخاريّ في صحيحه (ج٤، ص١٥١- ١٥٢، رقم الحديث ٥٣٥٨، الناشر: دار التأصيل): (حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكراً من حديثه، فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته، فقال مالك: انطلقت حتى أدخل على عمر، إذ أتاه حاجبه يرفا، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم. فأذن لهم، قال: فدخلوا وسلموا فجلسوا، ثم لبث يرفا قليلاً، فقال لعمر: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم. فأذن لهما، فلما دخلا سلما وجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا. فقال الرهط -عثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين، اقضِ بينهما وأرح أحدهما من الآخر. فقال عمر: اتئدوا، أنشدكم بالله الذي به تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»؟ يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. قال الرهط: قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعباس، فقال: أنشدكما بالله، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المال بشيء لم يعطه أحداً غيره، قال الله: {ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل}- إلى قوله -{قدير}، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. قال لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم. ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله. فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذٍ -وأقبل على علي وعباس- تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا، والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر. فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة، وأمركما جميعٌ، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتى هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه، لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما عمل به فيها أبو بكر، وبما عملت به فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك. فدفعتها إليكما بذلك، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ فقال الرهط: نعم. قال: فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها، فأنا أكفيكماها).

ورواها في موردٍ آخر، وتصرّف بنفس النحو، قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني مالك بن أوس النصري، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكراً من ذلك، فدخلت على مالك فسألته، فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر أتاه حاجبه يرفا، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم. فدخلوا فسلموا وجلسوا، فقال: هل لك في علي وعباس؟ فأذن لهما، قال العباس: يا أمير المؤمنين، اقضِ بيني وبين الظالم.- استبّا-. فقال الرهط - عثمان وأصحابه -: يا أمير المؤمنين اقضِ بينهما، وأرح أحدهما من الآخر. فقال: اتئدوا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»؟ يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. قال الرهط: قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعباس، فقال: أنشدكما بالله، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: نعم. قال عمر: فإني محدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المال بشيء لم يعطه أحداً غيره، فإن الله يقول: {ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم}، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، وقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حياته، أنشدكم بالله: هل تعلمون ذلك؟ فقالوا: نعم. ثم قال لعلي وعباس: أنشدكما الله، هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتما حينئذٍ -وأقبل على علي وعباس- تزعمان أن أبا بكر فيها كذا، والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما على كلمة واحدة، وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه، لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما بذلك، أنشدكم بالله، هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم. فأقبل على علي وعباس، فقال: أنشدكما بالله، هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي، فأنا أكفيكماها)، انظر: صحيح البخاري، ج٥، ص٢٠٨-٢٠٩، رقم الحديث ٧٣٠٥.

الرواية في صحيح مسلم (قبل التحريف)

الرواية في صحيح البخاري (بعد التحريف)

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

كشف التحريفات (٢٧): تحريفٌ ثانٍ لرواية بغض النبي (ص) لبني أميّة

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٢٧): تحريفٌ ثانٍ لرواية بغض النبي (ص) لبني أميّة 

روى الحافظُ أبو يعلى الموصلي في مسنده (ج١٣، ص٤١٧، ص٧٤٢١، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: مكتبة الرشد): (حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثني حجاج بن محمد، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة، جارهم، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة، قال: «كان أبغض الأحياء إلى رسول الله: بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة»).
وهذه الرواية تبيِّنُ بغض النبي (صلَّى الله عليه وآله) لبني أميَّة، وقد رواها ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير ولكنَّه أبهم اسم بني أميَّة بـ(بنو فلان) مع أنَّ إسناد الروايةِ لم يختلف ولم يتغيَّر مطلقاً، فإسناد أبي يعلى هو نفس إسناد ابن أبي خيثمة.
قال في كتابه (التاريخ الكبير، ج٢، ص٧٤٢، تحقيق: صلاح بن فتحي هلل، الناشر: دار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر - القاهرة): (حدثنا أحمد بن إبراهيم [الدورقي]، قال: حدثنا حجاج بن محمد الأعور، قال: حدثني شعبة، عن أبي حمزة، جارهم، قال: سمعت حميد بن هلال يحدث، عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة، قال: كان أبغض الناس أو الأحياء إلى رسول الله: بنو فلان وبنو فلان وبنو حنيفة).
وهذا من الأمثلة الواضحة على إخفاء حقيقة بني أميَّة ومدى ابتعادهم عن الإسلام والذي سبَّبَ بُغضَ النبي (صلى الله عليه وآله) لهم وعدم محبَّته إيَّاهُم.

رواية أبي يعلى الموصلي في مسنده (قبل التحريف)

 
رواية ابن أبي خيثمة في تاريخه (بعد التحريف)

الاثنين، 8 فبراير 2016

كشف التحريفات (٢٦): تحريف رواية تظهر بغض النبي (ص) لبني أمية

بسم الله الرحمن الرحيم
كشف التحريفات (٢٦): تحريف رواية تظهر بغض النبي (ص) لبني أمية

روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده (ج١٣، ص٤١٧، رقم الحديث ٧٤٢١): (حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثني حجاج بن محمد، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة جارهم، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة، قال: «كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (ص) بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة»).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن بني أمية كانوا مبغوضين من قِبل النبي (ص)، ولذلك امتدت إليها أيدي التحريف، فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده (ج٣٣، ص١٩، رقم الحديث١٩٧٧٥): (حدثنا حجاج، أخبرنا شعبة، عن أبي حمزة جارهم، قال: سمعت حميد بن هلال يحدث، عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة قال: «كان أبغض الناس أو أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثقيف، وبنو حنيفة»).
ورغم أن كلتا الروايتين بنفس الإسناد إلا أنها قد تعرضت للتحريف في مسند أحمد، فإنّ أبا يعلى يرويها عن الدورقي الثقة عن الحجاج بن محمد المصيصي بإسناده، وأحمد يرويها عن الحجاج بن محمد المصيصيِّ مباشرةً بنفس الإسناد عن أبي برزة، وقد حُذِفت لفظة (بنو أمية) من رواية المسند، والعجيبُ أنَّ الحاكم النيسابوري قد روى الرواية عن أحمد بن حنبل وفيها ذكر بني أميَّـة (!!).
روى الحاكم النيسابوري في مستدركه (ج٨، ص٢٥٨، رقم الحديث ٨٧٠٦): (ومنها ما حدثناه أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سمعت حميد بن هلال، يحدِّثُ عن عبد الله بن مطرف، عن أبي برزة الأسلمي، قال: «كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف»).
وفي المقام احتمالان: إما أنّ أحمد بن حنبل قد رواها مرَّةً كما هي، ومرة محرفة، ووضع الرواية المحرفة في مسنده، أو أنّه رواها بالنحو الذي نقله الحاكم إلا أنّ رواية المسند تعرضت للتحريف لاحقاً بيد غيره، وهذا الاحتمال غير مستبعدٍ، فقد أشرنا إلى وقوع التغيير في بعض كتبه فيما سبق.

الرواية في مسند أبي يعلى الموصلي (قبل التحريف)
 

 الرواية في مسند أحمد بن حنبل (بعد التحريف)
 

الرواية في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ

كشف التحريفات (٦٨): تحريف الوهابية كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي

بسم الله الرحمن الرحيم كشف التحريفات (٦٨): تحريف الوهابية كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي قام الشيخ رحمة الله بن خليل ...